الخميس، 29 ديسمبر 2011

المرأة التونسية في عيدها : الثورة فتحت أفاق التحرر لكنها أيضا طرحت تحديات جديدة

تحية للمرأة التونسية في عيدها ، 55 سنة من التشريعات ومسيرة حوالي قرن من النضال من اجل الحرية والمساواة خاضتها المرأة مع الرجل و كان العدو الأكبر هو التخلف والجهل والأمية و فكرة الدونية في ذهن المراة والرجل على حد سواء لكن المراة تحدت نظرة مجتمع شرقي منغلق لتبرهن على حقها في المساواة بعملها ونضاليتها فهي   
التونسية التي وقفت جنبا الى جنب مع الرجل ابان الحركة الوطنية حامية له وسندا بل ومساعدا لتحرير ارض تونس من براثن الاستعمار ..هي التي خاضت معركة الاستقلال وساهمت في ارساء دعائم الدولة الحديثة .
 هي الأم الريفية التي رعت ابنائها و زرعت فيهم حب الوطن والتشبّث بالأرض و هي التي حرمت من التعليم تسهر الليالي الطوال تحنو على ابنائها وتحلم معهم بمستقبل افضل من حاضرها التعيس .
هي المرأة في الحقل تحرث وتزرع وتحصد و توفر القوت لشعب يطمح ليكون سيد نفسه ...
هي الحرفية في بيتها وورشتها تصنع يداها من أديم الأرض و من حلفاء السباسب وسعف نخيل الجنوب ما يشهد على فطنتها ومهارتها وأصالتها ...
هي المرأة في المصنع تشقى و تتحمل عبئ  الساعات الطوال والأجر الزهيد والاستغلال لتعول اسرتها و تحقق ذاتها ...
هي التلميذة والطالبة في الجامعة تقدم كل يوما درسا لشعوب الأرض بان المراة ليست اقل فطنة او ذكاءا ، درس في المساواة و صفعة لقوى الردة الحضارية ...
هي المدرّسة في اقاصي الأرياف تخط على سبورة بالية أحلاما تترسخ في ذهن ابنائنا تزرع بذور حب الوطن و بذور الفطنة و إعمال العقل، تخط في الصفحات البيضاء لقاحا ضد الجذب للوراء والعدمية و الظلامية ، تنشر النور في اركان مخيلة الناشئة  ...
هي المناضلة التي لا تنحني للظلم والقهر والدكتاتورية ترسم مع كل كلمة وفكرة وابداع مستقبل اجمل لوطنها .
هي المرأة التي خرجت مع ابنها وزوجها دفاعا عن حق ابنائها في رغيف الخبز سنة 1984 وهي التي خرجت لتقول لا للمحاباة لا للنهب لا للمحسوبية لا للتهميش سنة 2008 وهي التي خرجت من اجل الحرية والكرامة وقدمت ابنها وزوجها واخاها  شهداء فداءا لوطن عانى  ويلات الظلم والدكتاتورية ، هي التي علا صوتها فوق صوت الرصاص في شوارع سيدي بوزيد و تالة و القصرين و في شارع الحبيب بورقيبة ،هي التي ابهرت العالم بثورة على الاستبداد وهي اليوم تبني مع الرجل تونس ديمقراطية حداثية لها وللرجل فيها حظ على قدم المساواة تؤسس مستقبلها ومستقبل ابنائها لعقود قادمة .
هي المراة التونسية التي تأبى أن تكون في مرتبة دونية تفخر ان يكون لها تشريعا بحجم مجلة الأحوال الشخصية التي كانت فاتحة نضال نسوي لتكريس القيم الانسانية في المساواة والحرية و الكرامة هي اليوم برصيد تشريعي حداثي تكرس تدريجيا رغم طغيان انظمة الحكم السابقة وتضييقها على المراة والرجل على حد سواء ..
غير ان هذه التشريعات تضل بين رفوف المجلات القانونية ما لم يصاحبها ثورة على التصورات السائدة وفي النظرة الدونية للمراة انطلاقا من نظرتها لنفسها بلوغا لنظرة الرجل والتي تعيد انتاج المجتمع الذكوري بكل ما فيه من امتهان للمراة واستهانة بقدراتها وهو ما يفتح الباب واسعا أمام مد من الأفكار القروسطية التي عادت لتلوث على المراة صفو حريتها ترى فيها عورة كلها وكائنا معطل الارادة مسلوب الاستقلالية تابعا بالضرورة ...هي النظرة التي لا تتفق مع كل شرائع الأرض الوضعية منها والسماوية ...تحفّز المراة من جديد لتخوض معركة انسانيتها ووجودها بعد ان كانت معاركها لإثبات ذاتها ولرفع الجهل والأمية والفارق ان معركتها اليوم لا مجال فيها للتهاون او التراجع مدعومة من كل نفس عقلاني مستنير في المجتمع.
المراة التونسية اليوم في حاجة لتنظر لنفسها نظرة ثقة اكثر فلن تكون مجرد اداة منزلية للإنجاب و أمة من اماء الرجل ومجرد جسد عورة للتنفيس عن لذات مكبوتة . كذلك لن تكون مغتربة منبتّة عن هويتها وارثها وطبيعة مجتمعها ولن تكون فوق ذلك سلعة رخيصة في اسواق الراسمالية المتوحشة التي لا ترى فيها سوى جسد جميل يحقق فائض القيمة . بل هي المراة التونسية المتصالحة مع ذاتها ومع هويتها أصيلة في تشبثها بالقيم الحضارية لمجتمعها منفتحة على محيطها دون عقد نقص لا ترى تناقضا بين حريتها و التزامها تعمل باستمرار من اجل مساواة كاملة مع الرجل ورفع كل اشكال التمييز في الحقوق السياسية والإقتصادية والثقافية و تكريس مواطنتها كامرأة فاعلة ،مشاركة ،منتجة ،مبدعة ،مسؤولة و حرة .   
محمد المناعي في 13 أوت 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق