الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

حين تصبح قطعة القماش رمز الهوية تصبح العقلانية حصانة أبنائنا من التطرّف


خطر  ذلك الزحف التجهيلي الذي يكتسح علينا حجرات أفكارنا وافكار أبنائها و بناتنا و يدخل في خزائن ملابسنا ليصنفها الى حلال وحرام في تقمص كاريكاتوري لشخصية الإله ...نفتح الجهاز العجيب فتطل علينا كائنات تكفيرية وضعت كل همها و شواغلها مترا مربعا من القماش يوضع على الرأس فتتحول "المرأة – العورة" بقدرة قادر الى ملاك ومثال للخلق والالتزام ينتزع عنها بمجرد سقوط تلك القطعة سهوا أو طوعا أو في غفلة من جهل و صحوة عقل فتغدوا مارقة منبوذة مذمومة ...تدعي هذه الكائنات التكفيرية أن الايمان شعر أشعث يتدلى من الذقون و أسنان صفراء سواكا و غطاء راس وقناعا يخفي الوجه و قفازتين و سواد كالح و ملامح عابسة ...
خطر ذلك الذي أصبح قاب قوسين بل أدنى من ذلك بكثير من بقايا عقولنا يهدد وجودنا ككائنات عاقلة تحاول التفكير ، تحاول ان تبقي من الانسان بعضا من انسانيته التي يسلبها القاصي والداني ...ان خطابا يلخص المراة في عورة و يلخص الايمان في قطعة قماش ويلخص الرجل في ألة جنسية تنكح ما طاب لها من النساء والاماء لهو العبث بعينه ...
عبث ان تضل تلك الأصوات تعوي في فراغنا الثقافي والفكري ...عبث ان يصمت فجأة صوت العقل فينا ليصدح العواء التكفيري المناهض لكل نفس تقدم وعقلانية . مخيف ذلك المشهد الذي نرى فيه بناتنا وهن في عمر الزهور وانطلاقة الحياة يتخذن من مليارديرات الفضائيات التكفيرية نجوما ومثلا عليا ينصتن بكل حواسهن لفحيحهم ويشربن من سمومهم ...
لن نأتي بجديد عندما نقول أن الطبيعة لا تحتمل الفراغ و صمت ذوي العقل يؤثثه صراخ المجانين – مع احترامنا للمجانين – ان الخواء الثقافي الناتج عن استقالة الأسرة والعائلة والمجتمع و البرامج التعليمية المفرغة من الزخم الثقافي و الدافعية الكافية لتجذير جيل بأكمله في هويته هي الباعث على استدعاء أصوات التطرف الى اسماعنا و نحن ابعد عنها وهي المحفز على التشويش الثقافي الذي تحدثه الفضائيات في وجدان ابنائنا ، ان شابا غير مسلح بآلية النقد والتمييز وغير معتاد سوى عن اللون الواحد والصوت الواحد والخيار الأوحد لا ولن يرى في ما يسمع الا الحقيقة الواحدة و النهائية ايضا ...ان الفكر النقدي لا يلهم الهاما ولا ينزّل وحيا بل يكتسب اكتسابا و يوضع على محك التجربة فيكتسب صاحبه مناعة ضد رياح التطرف والظلامية مهما علا النعيق و العواء ومهما ألقت دكاكينه الفضائية بسمومها ولن يتم ذلك الا بتربية الانسان و تسليحه بروح نقدية تستقرا التاريخ والتراث و تعيد إنتاجه وتوظيفه خدمة للمستقبل و تنبذ فكرة الماضوية الضيقة دون الانبتات عن ماضينا الحضاري والثقافي الذي نصيغ منه وجودنا .
ان تربية جيل متصالح مع نفسه ومع ماضيه ليس بالأمر الهين والمتيسر ولا مناعة من الانحراف نحو التطرف غير مصالحة مع الذات تجعل من الفرد معتزا بماضيه يمارس سلطته على تراثه لا سجينه وعبده وتجعل من الموروث نسبيا لا قداسة حوله إلا بقدر ما يحمل من قداسة ...ننقده ، نعيد قرائته ، نتجاوزه ، نقف عنده ، نقارن ونستفيد وندفع نحو الامام فنكون نحن لا غيرنا نمسك بزمام الأمور نرتكز على موروث عريق وننفتح على عالم معاصر اكثر عراقة ...فنخرج من سجن الأنا والهو في ان واحد .
المناعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق