الخميس، 29 ديسمبر 2011

لا تنمية شاملة بدون ديمقراطية محلية وجهوية

من ابرز الاشكاليات الاقتصادية التي تردت فيها البلاد التونسية والتي كانت ثورة الشعب التونسي نتيجة طبيعية لإستفحالها هي اشكالية التنمية الشاملة والعادلة ، هذه الاشكالية تتخذ المظهر الاقتصادي و تمتد جذورها عميقا في ما هو اجتماعي وسياسي ، فغياب تنمية عادلة بين الجهات يعكس اختلالا اجتماعيا يقوم على التفرقة في الامتيازات والمرافق و الخدمات الاجتماعية الموفرة من جهة لأخرى و يكرس بدوره اختلالا مجاليا بين اقاليم ساحلية لها النصيب الاوفر من التنمية و اقاليم داخلية مهمشة  تعيش على فتات تنموي واستثمارات هشة تحمل فشلها في طبيعتها وفي علاقتها بالمجال المتوطنة به بحيث تكون مسقطة غير متجذرة ... هذه الاستراتيجية التنموية تعكس فشلا سياسيا وتتحمل تبعات المركزية في التسيير وغياب الديمقراطية المحلية والجهوية التي تنطلق من الجهة وخصوصياتها ، فقد سادت القرارات الفوقية المركزية التي تنطلق تحت تسميات مختلفة على شاكلة المشاريع الرئاسية والتي كانت دائما يخطط لها في المركز وتستفيد منها الأقليات المتمعشة في الجهات ... من هنا كان الاتجاه التنموي العام يحمل في طياته بذور الاختلال بل راهن على هذا الاختلال ويبدو ذلك جليا في المثال الوطني للتهيئة الترابية لأواسط التسعينات الذي خط المسار التنموي للفترة التي تلته ، فقد هدف صراحة لخلق قطب اقتصادي يتمحور حول اقليم الساحل والعاصمة ذو تنافسية عالمية صناعيا و سياحيا و له النصيب الأوفر من البنى التحتية والتجهيزات و يمثل مركز استقطاب لثروات بقية الأقاليم سواء الثروات الطبيعية المنجمية وغير المنجمية أو الثروات الفلاحية أو الثروة البشرية باحتكاره الأقطاب الجامعية والمؤسسات ومراكز البحث و مثل واجهة تونس في علاقتها بالأقطاب الاقتصادية العالمية عبر شبكة الموانيء والمطارات ...
خلق هذا الرهان واقعا مجاليا واجتماعيا واقتصاديا مختلا بين الساحل والداخل و بين العاصمة و الساحل وبقية المجال ولم يكن للهياكل الجهوية والمحلية الغريبة عن مشاغل الجهات التي تسيرها سوى اجترار القرارت المركزية و تأبيد مناصبها بتزيين الوضع الاقتصادي و التعامل مع المشاريع و البرامج تعاملا سياسيا الفيصل فيه الولاء السياسي في شكل ترضيات بقطع النظر عن الجدوى الاقتصادية للبرامج والمشاريع و مثلت المجالس الجهوية والمجالس البلدية و القروية رجع صدى لإرادة الوالي المنصب من قبل رئيس الدولة وبقي شاغل المواطن واشكالات المنطقة اخر ما يمكن التفكير فيه ...
ان هذا الواقع يمكن ان يتكرر ما لم يتم التعامل مع الإشكاليات الجهوية  تعاملا ديمقراطيا تشارك فيه كل الأطراف المعنية محليا و جهويا في هياكل منتخبة انتخابا مباشرا وتعدديا تضمن المشاركة الشعبية المباشرة في تسيير الشان العام وتكرس الممارسة الديمقراطية و الرقابة على الهياكل التسييرية على مستويات مختلفة بدئا بجهاز مراقبة من الدولة يكفل شفافية التعاملات المالية والصفقات و المصاريف وصولا الى مراقبة ذاتية داخل المجالس البلدية و الجهوية ...من قبل الأطراف السياسية المتنافسة فضلا عن مراقبة المواطن اليومية حيث تضمن مشاركته ترشحا وانتخابا للهياكل التي يتعامل معها يوميا مباشرة حافزا له للإهتمام بالشان العام و القيام بدور الرقيب ...
على المستوى التنموي تعتبرالمراهنة على الامركزية في القرار التنموي والديمقراطية في التسيير ضامنا لفسح المجال امام كل جهة لدراسة الاشكاليات العالقة و الامكانات البشرية والطبيعية والثروات الممكنة أخذا بعين الاعتبارات والخصوصيات الجهوية بحيث يقرر ابنائها حلولا لإشكالات يعايشونها دون اسقاط لقرارات تنموية فوقية مركزية ، كما يساهم الخيار التنموي الديمقراطي الجهوي والمحلي في خلق مشهد اقتصادي ومشاريع تنموية متجذرة في محيطها تستغل وتثمّن مهارات أهلها و الثروات المتوفرة وتدعم الاقتصاد العائلي والمؤسسات والمشاريع الصغرى التي تثبّت السكان و تخلق مواطن شغل اضافية فضلا عن استقطاب استثمارات وطنية واجنبية تأخذ بعين الاعتبار حاجيات سكان الجهة مع اخذ الدولة بزمام المبادرة في بعث مشاريع نموذجية في المجال الفلاحي والسياحي والصناعي يمثل حافزا للإستثمار الخاص و دافعا لقاطرة التنمية بالجهة .
ان التنمية الشاملة المنشودة لا تكون الا بتلازم تنمية القطاعات الاقتصادية مجتمعة بشكل متوازن ، كما لا تكون الا بتلازم التنمية الإقتصادية و الاجتماعية بحيث يقاس نجاح المجهود التنموي بانعكاساته الاجتماعية و بمراعاته لمصلحة الأجيال القادمة وهذا يمر حتما عبر لامركزية في التسير وديمقراطية محلية وجهوية و تنمية عادلة ومتوازنة بين الجهات وداخل الجهات في تلازم بين المشروع السياسي الديمقراطي والمشروع التنموي الشامل.
محمد المناعي
نشر 24 جوان 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق