الجمعة، 30 ديسمبر 2011

الخطاب السلفي والعنف المنهجي : نظرة من الداخل ودعوة للحوار

 
المناعي
بعد تواتر الاعتداءات على الحريات و محاولة تحويل وجهة المجتمع الى قضايا هامشية تلهيه عن استحقاق البناء الديمقراطي و التوقي من أي بوادر لعودة التسلط ، تطفوا على سطح الأحداث مجموعات يصفها البعض بالتشدد و يصفها البعض الأخر بالمجموعات الخارجة عن القانون دون الخوض في معتقداتها ويجمع الغالبية على نعتها بالتيار السلفي الأصولي ، يكتنف الغموض معتقدات هذه المجموعات ذات التصورات الوافدة المستجدة على الشعب التونسي مما يفسح المجال اما لتعاطف غير مبرر أو لتهجم مبالغ فيه يغلق باب الحوار وينحو به نحو العنف والتوتر مما يفرض على جميع مكونات المجتمع تفكيك هذا الخطاب الذي ينعت بالسلفي وتحليله كمنطلق ضروري لفهمه والتعامل معه دون الوقوع في التغاضي عنه كظاهرة في توسع ودون الدخول في صدام يهدد الاستقرار الاجتماعي .
ان الخطر في الخطاب الأصولي بشكله المؤدلج حد التطرف او السلفي الجامد هو تبعيته المطلقة غير المعقلنة للأصول التي لا يرى مستقبله إلا باستدعائها والاعتصام بها وبالماضي ووجوده في غلاف عازل عن أي تطور  ناتج بالأساس عن عدم عرض منظومة تصوراته للتفكيك والتحليل والنقاش ولغياب الاعتراف بنسبية الفكر اولا كمنطلق لعرضه للحوار و أكثر من ذلك اضفاء قداسة على هذه المنظومة الفكرية المتواترة بما يجعل منها آليا في أذهان أصحابها غير قابلة للتعديل وكل خوض فيها هو دعم لبراهين اطلاقيتها وقداستها لا تنسيبها وبحثا عن مؤمنين بها لا عرضها على محك الاختبار و التعديل .
في هذا الاطار ينتج السلفي أفكارا أو يتبنى أطروحات و يبحث لها عن ركائز من خارجها تدعمها كترويجها على أساس كونها مستنبطة من كتاب مقدس فتنال في ذهنه بالتالي نفس قداسة مصدرها والحال أن مستنبطها هو مجرد بشر كغيره من البشر خطاء نسبي الأفكار ...كما يسعى السلفي لتوسيع دائرة القداسة فيحسم ببساطة في كل المسائل الخلافية ليضفي قداسة على كلام من عاصر الرسول من صحابة و حتى من جاء بعده بقرنين من الزمن ويوسع دائرة القداسة لتشمل اراءا ومواقف يسمونها بالفتاوى هي في الحقيقة مجرد أراء لأصحابها منها ماهو موجه خدمة لأغراض سياسية عبر التاريخ ومنها ماهو تمذهب ودعم لتوجه دون آخر وهي تحترم كوجهات نظر وترفض بصفتها تلك لا غير ولا قداسة فيها ولا الزام ...فلا يوجد في الدين الاسلامي تحديدا مؤسسة مهمتها تفسير النصوص المقدسة عوضا عن الناس ولا يوجد أفرادا ولا مراجع من واجب البقية اتباعهم غير الإقتداء المباشر بالنص الأصلي  والالتزام بما جاء فيه لكل من اختار الاسلام عقيدة طواعية دون إكراه .
ان ما يميز السلفي ليس منظومته العقدية التي يخترعها ويصدقها ويقدسها و يتمسك بها ولا يقبل فيها نقاشا ولا حوارا بل ما يميزه هو عنفه المنهجي والمبرر لديه عبر ايمانه بأن من واجبه اجبار الأخر على اعتناق تصوراته فينخرط في تمش مغلق ينطلق من اعتبار أفكاره مقدسة وبالتالي كل معارض لها أو مخالف لها هو مخالف للمقدس و هو ما يسوغ له العنف الفكري واللفظي و المادي ...ونجد في الواقع أمثلة معبرة حيث ينطلق السلفي من وجهة نظر تجاه نص معين ومجموعة أراء تسمى فتاوى حول اللباس بحيث يرى ويستنتج من ذلك ضرورة اخفاء المرأة لهويتها بالكامل ويتجاوز ذلك لإجبار الأخر على الاعتراف بهذا الحق والحال أن اللباس هو معطى ثقافيا يندرج ضمن منظومة عادات اجتماعية ديناميكية فاللباس الرجالي لم يتغير عند ظهور الديانة الاسلامية بل حافظ الناس على لباسهم المعتاد بما ان الدين جاء كمنظومة قيمية أخلاقية لا تهتم بالشكليات الا ما كان له علاقة مباشرة بالقيمة ...كما كان اللثام أو النقاب عادة صحراوية لدى عدة شعوب منها بعض شعوب شبه الجزيرة و شعب الطوارق بصحراء شمال افريقيا الذي يتوارث عادة النقاب او اللثام كلباس رجالي بقي في اطاره الموروث كعادة دون اضفاء اي قداسة عليه ...لكن في الشرق عمل تحالف السلطة القبلية المتسلطة بالسعودية ومجموعة احتكرت التكلم باسم الدين و كونت ما يشبه النظام الكهنوتي على ترويج بعض العادات البدوية على انها من جوهر الدين والتمسك بها و تسويقها عبر الفضائيات لتعمية شعوبها عن القضايا الأساسية حول التحرر و الديمقراطية وحقوق المرأة و احترام حقوق الانسان المنتهكة بتلك الربوع تحت غطاء فهم مغلوط ومشوه ومتشدد للدين .
هذه الترهات التي تروجها الدكاكين الفضائية السلفية وجدت بيئة خصبة تحكمها الأمية الفكرية و الانبتات و غياب خطاب ديني معتدل وانغلاق فضاءات الحوار حول كل ماهو موروث ديني وحضاري فكونت حزاما من المناصرين في مجموعات منغلقة أصبحت تهدد حرية الناس في تبني الفكر والمرجع وحتى المعتقد الذي تراه مناسبا لها والقراءة الدينية التي تناسبها كما تتدخل بعنف في خصوصيات الناس من لباس ومظهر خارجي وممارسات ، بل و تنادي بنظم بدائية تهدد مدنية الدولة وسلطة الشعب والحريات العامة التي ينشدها الجميع .وتنشر تصورات تكفيرية تهاجم الفنانين والمبدعين والمفكرين على خلفية ابداعاتهم وارائهم ومواقفهم وتتدخل في ضمائر الناس في تصنيفات تجعل من البعض أكثر ايمانا من البعض الأخر و تحرض على العنف لتبليغ مواقفها ...
ان التعارض المبدئي والمنطقي مع هذه التصورات لا يصادر حق متبنيها في حرية الاعتقاد والتفكير بل تضمن الدولة المدنية الديمقراطية حق الانسان في تبني العقيدة التي يراها مناسبة في حين يتم تنظيم ممارسة هذه العقائد وترجمتها في الواقع عبر نظام لا يعترف بالاكراه والعنف و يفتح منابر الحوار لإدماج كل الأقليات التي تنزع نحو التطرف في المجتمع لتهذيبها فكريا واستدراجها نحو الاعتدال وقبول الأخر، فحق اللباس مكفول للجميع بالطريقة التي يرونها وحق التواصل وكشف هوية الطرف المقابل أساسية للتعايش وسيادة القانون فوق الجميع فلا نحتاج للتفتيش في اعتقادات الناس لكي ندين فعلا اجراميا او اعتداءا على حرية الأخرين وكل صمت في هذه المواقف هو دعم للعنف وتشجيع له وبالتالي على كل القوى التي تعتبر نفسها ديمقراطية رغم حداثة عهدها بذلك ابراز موقفها بوضوح لأن حيادها في هذه الوضعيات انحياز للعنف أكثر منه مبعثا للتهدئة ، وعلى كل القوى التقدمية و الحداثية القيام بدورها للحفاظ على مكاسب هذا الشعب ودعمها والوقوف ضد كل مؤشرات الارتداد الحضاري مستغلة كل المنابر المتاحة لها من المجلس الوطني التأسيسي الى الجمعيات والمنظمات والأحزاب ووسائل الاعلام الى الميدان في الجامعة والأحياء الشعبية بفتح باب الحوار واسعا أمام الجميع لأنه لا بديل عن الحوار وسيادة القانون
نشر 1 ديسمبر 2011
نشر بالطريق الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق