الأربعاء، 20 يونيو 2012

بمناسبة نهاية الموسم الدراسي : اصلاح المنظومة التربوية رهان أساسي لإنجاح المسار الديمقراطي


بمناسبة نهاية الموسم الدراسي : اصلاح المنظومة التربوية رهان أساسي لإنجاح المسار الديمقراطي
محمد المناعي
20 جوان 2012
ينتهي هذه الأيام موسم دراسي بعد سنة مليئة بالاحداث طبعها مناخ سياسي واجتماعي و أمني غير مستقر وتواترت فيها الاحداث انطلقت بالاعتداء على المؤسسات التعليمية ورجال التعليم و انتهت بجريمة تسريب امتحان وطني لا تزال ملابساته غير محسومة ، هذه السنة الدراسية تميزت كذلك بعودة الحراك النقابي و التجاذب بين قطاعي التعليم الأساسي والثانوي ووزارة الاشراف اعلنت خلالها أربعة اضرابات وطنية نفذ منها اثنان بنجاح و الغي منها اثنان اعادت طرح الحوار حول الإشكاليات المزمنة للقطاع وللمنظومة التربوية بشكل عام التي لا تزال على غرار بقية القطاعات تحت وطأة  الفساد الاداري و الارتجال في التسيير والقرار وتهميش الفاعلين الأساسيين و غياب اي مشروع جدي للإصلاح لقطاع كان رجالاته ونقابييه في الصفوف الأولى في الثورة التونسية مساندة للاحتجاجات وتأطيرا لها و تصحيحا لمسارها وحماية للمدرسة والمعهد والتلميذ و اصرارا واضحا على انجاح السنة الدراسية الاولى والثانية في ظروف أمنية متردية .
تبدو المسالة الأمنية زائلة وظرفية امام الأزمة الهيكلية التي تردت فيها المنظومة التربوية التي تراكمت مشكلاتها مهددة المدرسة العمومية العصرية و الحديثة التي كانت هدف أجيال من التونسيين منذ الاستقلال ، فقد عملت الخيارات السياسية في عهد الاستبداد الى تسييس المدرسة والبرامج التعليمية وافراغها من محتواها والحياد التدريجي عن مشروع المدرسة العمومية العصرية المجانية الديمقراطية والمتطورة .ان تناول مسألة المنظومة التربوية يجب أن يمر عبر تشخيص شامل ومتكامل للمشكلات المطروحة كمدخل أساسي لاقتراح الحلول الممكنة ولا يتم ذلك دون تشريك جميع الأطراف المتدخلة انطلاقا من المعلم والأستاذ بالاضافة الى الولي والتلميذ و المتفقد و الخبير والمختص في علوم التربية وصولا الى نقابات التعليم ووزارة الاشراف في حوار وطني شامل حول الموضوع والانطلاق الجدي في معالجته.
وتبدو الحلقة الأولى للشروع في هذا التشخيص والاصلاح مفقودة مع غياب توافق بين ممثلي رجال التربية و سلطة الاشراف و نزعة احتكار التدخل في الشان التربوي والاقصاء التي لا تزال تطغى على المشهد منذ عقود الى اليوم...وهو ما يحول دون طرق بقية المشكلات المتشعبة و أبرزها على المستوى الهيكلي اختلال في الخارطة التربوية التونسية بين الجهات على غرار الاختلال التنموي الذي يطبع البلاد عموما ففي حين تتوفر بعض الجهات على تجهيزات متطورة وبنى تحتية تعليمية كافية تعاني جهات أخرى وأغلبها ذات طابع ريفي من التهميش وغياب الظروف ألائقة بل الدنيا للقيام بالعملية التربوية وهو ما يطرح مسالة العدالة بين الجهات في الاستثمار في التعليم وديمقراطيته ويحيل هذا مباشرة على دور الدولة المستثمر الأساسي في مجال التعليم باعتباره القطاع الحيوي الذي يؤثر على بقية القطاعات سلبا وايجابا لذلك ظل الدفاع عن مكسب المدرسة العمومية المجانية عنصرا اساسيا في نضالات المعلمين والأساتذة منذ عقود وخاصة في ظل انتشار التعليم الخاص والموازي وما يمثله من عملية تسليع للمعرفة والتعليم و ضرب تكافئ الفرص بين الجميع وتكريس الفوارق الاجتماعية في مجتمع لا يزال التعليم يمثل مصعدا اجتماعيا ضروريا ومن هنا لا بد من اعادة تنظيم القطاع الخاص وتحسين جودة التعليم العمومي .
تبدو جودة التعليم مدخلا اساسيا لطرح مسالة البرامج و المحتويات المعرفية ،هذه المضامين التي تحولت وجهتها للتسييس و التجهيل المنظم لا بد من اعادة النظر فيها لترتقي لمستوى النجاعة العلمية والمهارية ارتباطا بحاجيات الاقتصاد من الكفاءات وفي ذات الوقت تجذير المتعلم في هويته بمختلف ابعادها وخلق انسان منفتح غير منغلق متشبع بالفكر النقدي والعقلاني متسامح ومنسجم مع ذاته دون تقوقع او انبتات معتز بانتمائه لوطنه مع التركيز على المشتركات الوطنية وتحييد البرامج عن كل تحزيب او صراعات ايديولوجية او سياسية ضيقة .
كما لا يمكن التطرق لجودة التعليم دون اعادة النظر في المناظرات والتكوين والرسكلة والانتدابات والقطع مع اشكال التشغيل الهش في قطاع حساس وتحسين وضعية المدرس وتنظيم القطاع وتجنيبه التعاطي المرتجل واعادة النظر في الزمن المدرسي و تسيير المدارس الاعدادية والمعاهد و مدى تدخل كل طرف في العملية التربوية و تحييد المؤسسة التربوية عن التسييس والتحزيب .فضلا عن طرح مسألة الدروس الخصوصية بجدية في علاقة بجودة البرامج المقدمة بالمدرسة والمعهد والوضعية المادية للمدرس ودور الولي في العملية التربوية من أجل تنظيم هذا العمل وتقنين ممارسته لكي لا يتحول الى مدخل لتسليع التعليم و عدم تكافئ الفرص بين المتعلمين .

كما لا يمكن انجاح العملية التربوية من أعلى هرمها الى التسيير اليومي دون احترام العمل النقابي واعتبار النقابات شريكا أساسيا في كل مراحل العملية التربوية انطلاقا من تنظيم المهنة الى صياغة البرامج الى تسيير المؤسسات الى حل المشكلات العالقة باعتبارها الممثل الشرعي للقواعد من مدرسين وقيمين و اداريين و عملة تربية و غيرهم .
هذه المسائل وغيرها لا تزال عالقة تنتظر حوارا وطنيا و مشروعا جديا للإصلاح يزيد الحاحا خاصة أمام ما استحدث من تهديدات للمدرسة العصرية والمتمثلة في انتشار أنماط من التعليم البدائي والتقليدي خارج أنظار المؤسسة الرسمية بالكتاتيب و الحلقات المغلقة بالأحياء الشعبية يمارس الفصل بين الجنسين وينشر نمطا قروسطيا من التفكير ويغرس في الناشئة مفاهيم تشجع على الانقسام والكراهية مع تغييب الحس النقدي والابداعي وتعويضه بفكر قادم من غياهب التطرف  تكفيري معاد للعلم والابداع ...هذه الأنماط تنتشر داخل مجتمعنا في صمت مغتنمة حالة الانفلات و غياب جهاز الدولة فضلا عن النداءات العلنية باعادة نمط تقليدي من التعليم أو ما يسمى بالتعليم الزيتوني وخلق نمط مواز من التعليم يضرب وحدة التعليم العمومي العصري ويفرّخ جحافل جديدة من المعطلين على هامش حاجيات الاقتصاد .
ان التأسيس لمدرسة عصرية تقدمية البرامج والمناهج تكون في مستوى تطلعات شعبنا لا يجب أن يتأخر فالإزدهار الاقتصادي و الأمن والسلم الاجتماعي رهين مخرجات المنظومة التربوية التي يعتبر اصلاحها أوكد المهمات المطروحة علينا جميعا ، فان كان التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية يمر حتما عبر ركائز دستورية وقانونية فان التأسيس لمجتمع واع يؤمن بالديمقراطية وقيم الحداثة 
وينبذ التعصب والتطرف يمر حتما عبر منظومة تربوية ناجحة وناجعة ضرورية لإنجاح المسار الديمقراطي

الأربعاء، 13 يونيو 2012

دوامة العنف السلفي ومغالطة الدفاع عن المقدسات


دوامة العنف السلفي ومغالطة الدفاع عن المقدسات
محمد المناعي
تعم البلاد هذه الأيام موجة جديدة من العنف و حلقة من الانفلات الأمني والفوضى وإذ تبدو التيارات السلفية العنوان الأساسي لهذا العنف فان عجز السلطة القائمة على القيام بدورها وواجبها هو العنوان الحقيقي لما يجري ، مما يطرح عدة تسائلات حول مصير الإنتقال الديمقراطي بل مصير الحريات الأساسية في البلاد التي يزيد انتهاكها والتعدي عليها يوما بعد آخر في ظل حياد سلبي للمجلس التأسيسي و فشل بيّن للحكومة المؤقتة في معالجة الملف الأمني والحفاظ على هيبة مؤسسات الدولة أمام رأي عام منقسم بين مبرر لردة فعل هذه الجماعات المتطرفة و مدين للعنف مهما كانت مبرراته...
يبدو للوهلة الاولى ان ما عرض في قصر العبدلية من رسوم هي السبب الرئيسي لعودة موجة العنف كما يروج سعيا لإخراج هذا العنف اخراجا شرعيا دفاعا عن المقدسات ونصرة للإسلام كما يقولون والحال ان هذا العنف بدأ بالاعتداء على المبدعين والفنانين منذ الأيام الأولى التي تلت 14 جانفي وتواصل برفع السلاح في وجه الجيش الوطني بالروحية وبير علي بن خليفة و بالتعرض للمسيرات السلمية وللندوات الفكرية بالعنف والترويع و مؤخرا بالتعدي على الممتلكات العامة و الفردية بحرق وتخريب محلات تجارية بتعلة بيعها للخمور و الاعتداء بالحرق على نزل و مقرات للأمن بكل من سيدي بوزيد وجندوبة و ما الاعتداء على قصر العبدلية و تهشيم محتوياته و اتخاذه ذريعة لنشر العنف في اماكن مختلفة من البلاد سوى حلقة أخرى من حلقات العنف تغذيها أطراف عدة اولها صمت الحكومة و عجزها عن فرض هيبة الدولة والمؤسسات و اعتبار قيادات الحزب الحاكم ان هؤلاء " السلفيين " هم ابنائنا خرجوا من رحم الثورة ...حتى بعد تورطهم في العنف والدماء و عجزها ايضا عن فتح حوار معهم وترويضهم ...وثانيها ارتباطات خارجية تساعد تأطيرا وتمويلا و تكوينا مرتبطة بعضها بالنظام الوهابي السعودي ( تصريح اذاعي لعبد الفتاح مورو يقر بوجود ندوات تكوينية وهابية بتمويل سعودي ) وبعضها بتنظيم القاعدة ولا ادل على ذلك من  تخصيص زعيم التنظيم الارهابي القاعدة لكلمته الأخيرة لتونس وتحريض اتباعه بالخروج على السلطة و التمرد والدعوة لبن لادن من منابر الجمعة في عدة اماكن من الجمهورية ...
ان ما يلفت الانتباه انسياق فئات واسعة من الناس في موجة تبريرية لهذا العنف الذي سوق دفاعا عن المقدسات والحال ان معرض الرسوم كان شبيها بسابقيه ومجرد أعمال فنية يمكن نقدها و في اقصى الحالات يمكن اعتبارها تهريجا لا عملا فنيا دون الدخول في تكفير اصحابها او تهديد حياتهم او الدعوة للعنف ...فما روجت له صفحات الفايسبوك من رسوم لا علاقة لها بمعرض العبدلية كان هدفه تسويق صورة مفادها ان الرسامين اعتدوا على المقدسات وجسدوا شخصيات دينية وسخروا من رموز مقدسة وثابت ان اغلب المروجين لهذا التوجه تنتشر بين صفوفهم الأمية فقد كتب أحدهم على جدار معرض العبدلية ( دافيعو على رسول الله )ومحدودي الاطلاع على الفن والدين معا ، ليس لهم اي اطلاع على الأعمال الابداعية الشعرية وغيرها في القرون الأولى للإسلام و لا على الشعر الاباحي ولا على خمريات ابي نواس ولا على مؤلفات المعري من رسالة الغفران التي صورت الجنة صورة كاريكاتورية او اللزوميات او غيرها وتم التعاطي معها فنيا دون اي اشكال في تلك العصور بل لا اطلاع لهم على القران والاحاديث النبوية التي لا اثر فيها بصحيحها و ضعيفها وآحادها على نص به تحريم تجسيد شخصيات دينية بل هناك مذاهب تجسد الأنبياء والرسل في اعمالها الفنية دون حرج ...وحتى ان اعتبرنا ان عدم التجسيد هو عادة اصبحت بقيمة المقدس في المجتمعات السنية فان الرسوم التي عرضت لا تمت بأي صلة بتجسيد اي من الشخصيات الدينية المقدسة بل تنقد ظواهر اجتماعية كاللباس و التعبد وغيرها وأغلب الرسوم التي روجت على المواقع الاجتماعية هي لمعارض بباريس والسنغال ولم تعرض يوما في تونس...ومهما يكن من أمر فان التعاطي مع اي عمل فني مهما كانت جودته يضل مسالة نقدية وذوقية لا ايمانية لا علاقة لها بالكفر والايمان و في اقصى الحالات فان القضاء سيد الموقف والعنف لا يزيد المبدع الا اصرارا .
ان كل ممارسة للعنف سواء بمسوغ الاستفزاز او الدفاع عن مقدس ما او فكرة ما هو دعوة صريحة للطرف الأخر للدفاع عن نفسه بنفس الأساليب فمن يترك الحوار ويسلك نهج العنف يدعو خصمه للمعاملة بالمثل وفي غياب سلطة القانون و الدولة يفسح المجال واسعا لعصبيات أخرى تتشكل على اساس المنهج او الإنتماء الفكري او العائلي او الجهوي لتدافع عن مكاسبها وممتلكاتها وهذا لا يقود الا لموجة من العنف المنظم الذي يرتقي للحرب الأهلية و بالمقياس الديني فتنة والفتنة أشد من القتل لا يستفيد منها اي طرف و لا ينتصر فيها اي كان هي دوامة تعيد انتاج نفسها عبر آلية الثأر ، الفعل ورد الفعل..
لو فهم ذلك المتعصب الذي اختار نهج العنف ضد من يخالفه الراي قول الله في القران : (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ( المائدة 105 ) لنزع عن نفسه أعباء ومسؤوليات كلف بها نفسه لا علاقة لها بالدين، فالاسلام لم يأمر المسلم الا بنصح الأخرين ودعوتهم الى الطريق القويم دون اجبار او اكراه وما ممارسات بعض المجموعات المتطرفة الا عنفا سياسيا وترهيبا للناس لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالاسلام المتسامح الذي يعطي حق الايمان والكفر و يامر الناس للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالإكراه (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ، النحل 125 ).
يبدو التعاطي مع هذه الظاهرة ضروري وملح بفتح حوار شامل حول العنف السياسي والعنف عموما و رفع الأمية الفكرية عن هذه القواعد التي تنتهج العنف باستدراجها الى الحوار من داخل منظومتها ومقارعتها بالحجة والعمل على اقناعها و تطوير مناهج التعليم لتستجيب لحاجة الناشئة من تربية دينية معتدلة تغلق الباب امام نزعات التشدد والتطرف كما يجب على السلطة القائمة حاليا ومستقبلا التعاطي بجدية مع الظاهرة باحترام حرية الفكر والمعتقد للسلفي وغير السلفي وعدم المحاسبة على الضمائر والنوايا والمظهر و تجريم كل عمل عنف مهما كان مسوغه ومهما كانت دوافعه لردع كل مستهين بالدولة وقيم المجتمع مهما كان توجهه وعقيدته .
 13 جوان 2012

حكومة انقاذ وطني في مواجهة الاصرار على الفشل


حكومة انقاذ وطني في مواجهة الاصرار على الفشل
بعد أكثر من ثمانية أشهر على انتخابات أكتوبر وبعد الفشل الذريع الذي منيت به حكومة النهضة على جميع الأصعدة في الاقتصاد والتشغيل والأمن و الاصلاح والعدالة الانتقالية ، تعالت أصوات معارضة تنادي بحكومة انقاذ وطني برئاسة شخصية غير حزبية تقي البلاد التجاذب السياسي و تعمل بوفاق على حل الملفات المستعجلة و على راسها الملف الأمني وقد تزعم هذه المبادرة الحزب الجمهوري و خلف ردود فعل متباينة بين مساند و بين رافض ومتمسك بشرعية انتخابية اهترأت و وتحوّلت في غياب الوفاق الملاذ الوحيد للحكومة في مواجهة منافسيها ومنتقديها .
يعود النقاش حول تسيير وقيادة المرحلة الانتقالية الى ما قبل 23 أكتوبر حين طرحت مجموعة من الأطراف السياسية التي تحولت فيما بعد الى المعارضة مشاريع حكومة تكنوقراط يتم الاتفاق على تركيبتها بين الأطراف المكونة للمجلس التأسيسي لتسيير البلاد لمرحلة انتقالية ثانية في حين يتم تركيز المجهود على التسريع بانجاز دستور للبلاد و انجاح انتخابات تشريعية ورئاسية وبلدية تضمن الاستقرار و يأخذ كل طرف موقعه من المشهد السياسي بين سلطة و معارضة ، واجهت النهضة هذا المشروع بمشروع الترويكا و بالاعلان عن رغبتها في رئاسة الحكومة و توزيع السلطات المؤقتة بين حليفيها و لسحب البساط من تحت خصومها طلبت النهضة من بقية الأحزاب الالتحاق بالحكومة تحت قيادتها بتعلّة الشرعية والأغلبية ،فكانت بداية الفرز السياسي والاصطفاف بين حكومة ومعارضات على مسافات مختلفة من السلطة القائمة تعرّضت طوال الفترة الانتقالية الى اليوم الى تهم العرقلة و التخوين والمآمرة و التشويش وغياب الاقتراحات والهيمنة على النقابات والاعلام و الوقوف وراء الحراك الاجتماعي من اضرابات واعتصامات ... وفي كل ذلك جعلت الحكومة المعارضة الشماعة التي تعلق عليها فشلها وتعثر ادائها و أداء وزرائها .
لم توفق الحكومة منذ تنصيبها في فتح حوار وطني حول المسائل الحساسة العالقة سواء مع الاطراف الاجتماعية و على راسها الاتحاد العام التونسي للشغل أو الأطراف السياسية واستفردت باسم الشرعية في مواجهة الجميع الا المشكلات العالقة، بجيش من الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين تتالت أخطاء بعضهم وبدا عجز بعضهم الأخر و انخرط أخرون في مهاترات اعلامية لا طائل من ورائها تستهدف الاعلام والمعارضة والمنظمة النقابية .
لم توفق الحكومة في فتح ملف التشغيل والتنمية واعتمدت سياسة المسكنات للجهات التي لا تزال تحتج تحت وطأة الفقر والبطالة والتهميش و غياب الدولة و لا تجد من الوزراء غير الوعود و التراجع عنها و في أقصى الحالات الامضاء على تعهدات واتفاقات على مستوى وطني وجهوي تضل طي الأدراج أو يتم التراجع فيها علانية ورمي الكرة تارة الى الاتحاد مطالبة اياه بالصبر على عجزها و طورا للإعلام الذي يغطي نتائج الفشل الحكومي و يبحث عن استقلاليته و أحيانا أخرى للمعارضة مطالبة ايها بان تبارك ما تفعله الحكومة لكي تكون بناءة و جدية وتضيق بنقدها والبدائل التي تقدمها سواء داخل المجلس أو خارجه و يبقى المشهد الاقتصادي في تدهور مستمر رغم الأرقام الايجابية والمتضاربة التي تقدمها الحكومة... و يزداد تعطل الإستثمار بناءا على كل ما سبق وعلى مكانة الاقتصاد التونسي في المشهد العالمي ..
ولعل الرهان الذي خسرته حكومة النهضة و أتباعها وحلفائها هو موضوع العنف السياسي تحت تسميات مختلفة و الذي تجسد بل وتكرّس في فترة وجيزة انطلاقا من الميليشيات التي تفسد التحركات السلمية و تشوش على الندوات والمحاضرات وتقتحم حرمات الكليات و المعاهد والمدارس وتعتدي على الحقوقيين والسياسيين والأساتذة وصولا الى وجود عصابات اجرامية تفتح النار على قواتنا المسلحة كما حدث في بير علي بن خليفة أو في الروحية أو جندوبة حيث تتدخل نفس المجموعات الاجرامية لتروع السكان و تتدخل في شؤون لا تعني سوى الدولة لوحدها في استهانة بالمؤسسات وبالقطاع الأمني ذاته ومن ورائه هيبة الدولة التي تهتز سواء بالتواطئ و الصمت ازاء العنف الممنهج الذي يمارس على الجميع أو بالاعتداء على حقوق الانسان وحرياته الشخصية في تبني الفكر والمعتقد الذي يراه مناسبا و احترام كل احتجاج سلمي لا يعطّل الأنشطة الحياتية للدولة والمواطن من ناحية أخرى .
أمام تردي الوضع و بقاء هذه الحكومة تراوح مكانها لعدة اسباب يبدو الوضع ملحا على الدفع نحو حكومة انقاذ وطني تكون محدودة العدد ليست وفق محاصصة حزبية اثبتت فشلها، لها أهداف واضحة ومستعجلة، تعود بالنظر للمجلس الوطني التأسيسي لإتخاذ القرارات الحاسمة تأخذ على عاتقها الملف الأمني وملف الجرحى و الشهداء و ملف المعطلين  ونصيب الجهات المحرومة من التنمية العادلة و تجلس مع جميع المتدخلين في الشان الوطني الاقتصادي والاجتماعي والسياسي و مصارحة الشعب بقدرات الدولة و امكاناتها الحقيقية وتشريك الجميع قبل تحميل الجميع مسؤولية انهاء الفترة الانتقالية بدستور و مؤسسات ديمقراطية و انتخابات شفافة بتنظيم من هيئة مستقلة لا تشوبها اية شائبة وتجاوز منطق الأغلبية والأقلية التي تتجاهل حقيقة ان الأغلبية تم اختيارها في انتخابات تاسيسية بناءا على مشروع للدستور لا بناءا على برنامج اقتصادي لتحكم البلاد والعباد على خلاف ما تتطلبه المراحل الانتقالية .
و في النهاية تبقى مسؤولية القوى التقدمية و الأحزاب الديمقراطية كبيرة في انقاذ البلاد واعادة مؤسسات الدولة لنشاطها والحزم في التعامل مع ظاهرة العنف السياسي و قيادة البلاد توافقيا الى الاستحقاقات الانتخابية القادمة .
الأربعاء 13 جوان 2012