الجمعة، 30 ديسمبر 2011

الخلافة السادسة : عبد الواحد يستعيد الخطاب الأصلي أو الديمقراطية منتجة الاصولية


بقلم : المناعي
نشر 20 نوفمبر 2011
بين حمادي الجبالي مرشح حركة النهضة لرئاسة الحكومة و وحيد أو عبد الواحد الرجل البارز في التنظيم خلال الثمانينات ما يقارب الثلاث عقود ... وبين حركة النهضة و الاتجاه الاسلامي ما يقارب نفس الفترة ، لكن بين خطاب الخلافة الراشدة السادسة و الاشارات الربانية وفتح القدس ...و مطالب ثورة 14 جانفي أربعة عشر قرن انزلق نحوها الاخ عبد الواحد وحركته مبشرا بنظام بدائي ممزوج بالقداسة بعد ان مات المئات وجرح الألاف من أجل نظام ديمقراطي يقرر فيه الشعب مصيره بنفسه عبر صناديق الاقتراع ...
لم تكن الخطورة في لفظة الخلافة التي أسالت الكثير من الحبر في الصحافة والاعلام ... فهو نظام كلياني يبشر به حزب التحرير ايضا وخاصة ...ولم يكن الخطاب السياسي الممزوج بالدين ما يلفت الانتباه فلم تخلو خطابات النهضة من توظيف للدين و لم تخلو خطابات قواعدها من هذا المعجم في كل المناسبات وبالتالي لم يقم السيد حمادي سوى اخراج المارد من قمقمه و اخراج الخطاب القاعدي الى القمة والى وسائل الاعلام .
ولكن الملفت هو الاخراج الأصولي للخطاب الذي يجعل فيه نتائج انتخابات كانت النهضة فيها صاحبة الأكثرية ارادة ربانية و استعمل في ذلك معجما احتوى على الفتح و الاشارات الربانية و تحرير القدس و خاصة  مصطلح الخلافة  " الراشدة" فرغم ضعف المعرفة التاريخية لأغلب الناس وحتى لشريحة واسعة من روّاد التيارات الاسلاموية  والذي يكرس فهما متداولا لصورة الخلافة كصورة لوحدة المسلمين والعرب ...جهلا منهم بالتاريخ ...لم يسجل التاريخ خلافة وحدت كل المسلمين منذ الفتنة الكبرى الى بداية القرن العشرين ... وما اشارة زعيم النهضة للخلافة الراشدة سوى مغازلة لمشاعر اتباع الحركة واشارات الى الخارج بان الحكم وفق نظام الخلافة وارد بل مطروح ويجب ان تتعود به الأذان مستقبلا ...فالخلافة الراشدة توحي في ما توحيه بالقداسة فهي على خلاف الخلافة الأموية التي احتكرت الحكم عرقيا و هي ليست الخلافة العباسية التي نبشت قبور بني أمية وهي على خلاف الخلافة العثمانية التي سلمت فلسطين لبريطانيا والصهاينة ...لكنها خلافة الحكم بحق الهي وما تعنيه في ذهن العامة من قداسة لأبي بكر و عمر و عثمان وعلي ...وعمر بن عبد العزيز ولما لا اضافة خليفة جديدا سادسا بعد ان من الله على النهضة بنصر وفتح مبين على من سماهم أتباعها خلال الحملة الانتخابية أحزاب الكفر  ...
يجب ان لا يفقد التسلسل بريقه ... نفس الزخم الوجداني الذي يربط بين دولة النبوة و دولة الخلافة الراشدة و دولة سلطة النهضة ...خط رابط متين ...كيف لا و الصناديق اختارت من اختارت نتيجة خطاب يبشر بتطبيق شرائع القرن الأول للهجرة و يسجل في صفوف العامة المنساقة وراء ديماغوجيا بمسحة قداسة خيبة أمل كل تصريح حول المساواة وحقوق المراة وعدم اغلاق النزل و الحانات و الالتزام بمجلة الأحوال الشخصية وعدم الإعتراف بتعدد الزوجات ...هذا الخطاب المحبط للقواعد النهضوية سرعان ما طمأن " الأخ عبد الواحد " رعيته بفتح مبين وخلافة راشدة سادسة .
تكونت صورة عند بعض المهتمين بالشأن السياسي قوامها ان حركة النهضة تطورت عما كانت عليه سنوات ماء الفرق و التفجيرات وفرض الحجاب واغلاق الحانات و النزل والتحول للزراعة والصناعة و تحجير سفر المراة الا مع محرم ...وفصلها عن الذكور و مراجعة حقوقها الأساسية في الزواج والطلاق والتبني والكفالة والعمل وممارسة حقها في تقلد المناصب بما في ذلك السيادية والقضاء وغيره ...
تصريحات الأخ الجبالي أعادت عقارب الساعة الى الوراء كثيرا لفترة تناسيناها ...نفس الرموز ونفس الشخصيات ونفس الوجوه لكن بتصريحات بدت غير متصلة منذ العودة الى ارض الوطن والبروز في الإعلام بعد ان حطت الإحتجاجات أوزارها وبعد ان واجه المواجهون غطرسة بن علي وواجه الثوار بصدور عارية آلته القمعية ...فبدت النهضة احيانا حداثية أكثر من الحداثيين في حديثها عن الحريات و حقوق الانسان و يسارية أكثر من اليساريين في حديثها عن العدالة الاجتماعية والتوازن بين الجهات و محاربة التهميش والتفقير ...مع الحفاظ على خطاب قاعدي قوامه الهوية والدين واللعب على مشاعر بسطاء القوم ...هذا الخطاب سرعان ما اعتدل ليتناسق من جديد مع خطابات الماضي فشيخنا الجليل تخلى عن مقولته السابقة بان مجلة الأحوال الشخصية مكسبا ليعبر عن احترازه على قانون التبني المخالف للشريعة و عن اعتبار العنوسة من تداعيات منع التعدد في الزوجات... وعن السياحة الحلال والسياحة الحرام والبنوك الربوية وغير الربوية واثارة مسالة الهوية وصولا الى التبشير بدولة الخلافة اثناء زيارة لمصر وتأكيد ذلك من قبل الشيخ الثاني في الحركة مرشح رئاسة الوزراء أثناء اجتماع بسوسة شيخنا الجليل مبشرا بخلافة سادسة ...
أعادت هذه التصريحات الأنظار الى مواقف القيادات النهضوية السابقة التي يبدو انها لم تعد سابقة سننتظر شبيهاتها في مواضيع مختلفة :
فقد جاء في كتاب الحريات العامة لراشد الغنوشي أن " سلطان الأمة مقيد بسلطان الشريعة ..." ( ص 169) و أن " انتزاع سلطة التشريع الأصلي من يد الدولة وايكالها الى جهة عادلة محايدة هي شريعة الله يمثل اضافة اسلامية " ( ص 221).
ولئن يستغرب المتابعين اليوم لمواقف حزب التحرير من رفض التعددية الحزبية فإن الكثير لا يعرف الموقف المبدئي لحركة الإتجاه الاسلامي ، النهضة حاليا  حيث صرّح أحد مؤسسيها وهو حسن الغضباني سنة 1979 " ان نظام تعدد الأحزاب يعني الصراع بين أنماط من الفكر البشري ...غير منطقي وغير مقبول محادة الشرع الالهي باسم الحرية والديمقراطية وتعدد الأحزاب " (مجلة المعرفة عدد5 السنة الثالثة ص 11 )
وتصل بالسيد راشد الغنوشي ان يعتبر أنه " طالما ظلّت الأمة متطهرة كادحة في طريق الله ، لا عجب عندئذ أن تنظر بنور الله وأن تغدو رؤاها جزءا من النبوة ..." ( الحريات العامة ،ص 119)
و بلوغا لموقف قديم من الخلافة أو الامامة فان اعتماد مؤسس الحركة على قاعدة أصولية ترى ان ما يتم الواجب الا به فهو واجب يقول الغنوشي في كتابه الحريات العامة ( ص 90 ) " لقد ثبت أن علماء المسلمين وعقلائهم لم يساورهم في كل عصورهم ريب في ضرورة نصب الامام لإنفاذ الشريعة وخدمتها عملا بقاعدة أن ما لم يتم الواجب الا به فهو واجب " .
وبالتالي تبدو الخلافة السادسة التي بشر بها الجبالي من زلة لسان او رسالة تحسس ردود الفعل كما ترجمت في عدة تحليلات الى خطاب له عمق في تاريخ الحركة و تواصل ايديولوجي مع مبادئها السابقة كحركة اسلاموية ...
نشر 20 نوفمبر 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق