الخميس، 29 ديسمبر 2011

كثرة الدكاكين السياسية وكساد البضاعة الحزبية:هدايا واموال عوض المشاريع والبرامج


لقد منت علينا ثورة 14 جانفي اضافة الى النعم التي لا تحصى ، اسهالا حزبيا وتكاثر الدكاكين السياسية المستنسخة بعضها من بعض يبيع معضمها بضاعة حزبية كاسدة ،متلونة ومختلفة الشكل متقاربة المضمون، فهي في النهاية  اما بضاعة تجاوزها الزمن و انتهت صلوحية استهلاكها بل و ترويجها على غرار التمترس الايديولوجي المغلق يمينا ويسارا وعلى غرار ادعاء الحكم باسم الله وباسم المقدس ،فهذه الجنة الفاضلة الموعودة التي يهبها الباعة لحرفائهم من الرفاق في شكل مجتمع يغيب فيه التمييز و التفاوت والتناحر الطبقي وتسوده العدالة الاجتماعية مع دكتاتورية البروليتاريا ، يقابلها جنة موعودة أخرى تباع للإخوة ( وطبعا ليس للأخوات لأنهن غير معنيات بالشأن العام ) ميزتها العدل والتآخي والتضامن في ظل سيادة القانون السماوي بتفويض مفتوح لقلة من الصفوة المنتقات من شيوخ الدين والسياسة ترعى العامة الدهماء و " كل راع مسؤول عن رعيته " ...
هذه البضاعة الكاسدة لقدمها قد تبدو أفضل حال من البضائع الحزبية التي بقيت على حالها الذي كانت عليه زمن الطغاة ،وكانت هي ذاتها أداة تقرب أصحابها من ولي النعمة والفضل ، لم يتغير منها غير الغلاف بتطعيم طفيف بكلمات اقتضتها المرحلة من قبيل " مطالب ثورة الكرامة " و " الشعب يريد " وغيرها ، هذه الدكاكين الفها المواطن يتمسح أصحابها على اعتاب السلطة يلمّعون صورتها المشوهة و يلتقطون فتات موائدها ... اليوم وقد هجرها حتى أصحابها لم تعد تنطلي ممارساتها على ابسط البسطاء من المتابعين وغير المتابعين للشأن السياسي.
بينما تبدو فقاقيع سياسية جديدة كالباعة المتجولين لا محل ولا عنوان... ولا برنامج، تبحث عن هوية لنفسها و عن تحالف يقدم لها ما يمكن ان تعتاش منه بعد أن سحب بساط التمويل العمومي الذي قدمت معظم التراخيص من اجله...في مقابل هذا كله أحزاب مناضلة تعمل بنضج تقاوم ألامبالاة وغياب الوعي السياسي والحشد والتوظيف الايديولوجي ،تحافظ على مسافة بين المقدس والسياسة ،تستقي برامجها من مرجعية  العقل والعلم ومن استقراء الواقع ، تعتبر ان قوتها في مناضليها ومشروعها لا في المال والاستمالة .
في الأثناء يلفت الانتباه الى جانب التكاثر الحزبي طفولية في الممارسة السياسية وفي الإقدام على العمل السياسي ، تتجلّى في الخلط بين العمل الجمعياتي والعمل الحزبي وعدم ادراك الفرق ،فهذا حزب لرعاية ودعم الثقافة وذاك حزب تنموي بالأساس والأخر لنشر الخلق الحسن و اعادة الناس للطريق المستقيم و نفس الحزب لمساعدة المعوزين والفقراء. في خلط عشوائي و تخبط في الممارسة السياسية تتمظهر ايضا في مستوى الخطاب حيث لا تزال طبقة عريضة من الطيف السياسي لا تجد حاجزا بين الاعتدال والاّمبالاة وبين الاستقلالية والاستقالة و بين المساعدة والتوظيف و بين النقد و السباب ...وفوق ذلك انبرت بعض الأحزاب السياسية تحشد الأتباع بعقلية استغباء واستغفال المواطن مستعملة ممارسات دنيئة بالمعنى السياسي حيث لا ترى في المواطن سوى رقم بطاقة تعريف وطنية وصوت يوم الانتخاب ومن أجل ذلك يوزع بعضها " الكسكروتات" و يوزع بعضها الأخر الأموال و يوزع آخرون هواتف جوالة و علب محشوة ب" المقرونة والطماطم والزيت " ألصق عليها شعار الحزب ويوزعون حتى الموز على المواطنين مذكرين اياه ان تلك اللقمة وذاك الرغيف من فضل حزب حركة كذا...ويتدافع الناس في بعض المدن على مخازن احد الأحزاب التي ظهرت " توّه" لنيل نصيب من المواد الغذائية المتوفرة ...واعتصم الناس امام مقر حزب سياسي وعدهم بالمساعدة ولم يوفي بوعده...في حين دفعت الحماسة والشراهة السياسية في كسب الناخبين طرفا سياسيا بأن نظّم زواجا جماعيا و سدد عوض المواطن فواتير الماء والكهرباء ...هذه الممارسات وغيرها تجد لها مكانا في غياب السياسي الناضج الذي يملك مشروعا سياسيا وبديلا لواقع المواطن الذي يعاني من عدة مشاغل لا حصر لها  ومشاكل هيكلية ومزمنة لن تكون علب المواد الغذائية لتحلها بل ربما تعمقها ... ذلك ان المتاجرة بخصاصة وفقر الناس وقلة وعيهم  وتوظيفه للقيام بحملة انتخابية لهو استهتار بكرامة الناس وعدم احترام للذات البشرية و دليل قاطع على غياب إما للبرنامج الواضح او لأخلاقيات العمل السياسي أو للاثنين معا. فهذه الأحزاب التي ترى في العمل السياسي ضخ لأموال مشبوهة المصادر و ترى في المواطن مجرد صوت انتخابي يمكن ان يختار طرف دون اخر بناءا على حجم العلبة ومحتواها وهذا الانتخاب بمقابل هو ضرب من الدعارة السياسية التي لا تسمح بعلو صوت البرامج والمشاريع والخطاب السياسي الواقعي الذي يفصل العمل الانساني  عن الحملات الانتخابية ويحترم الانسان في ذاته كإنسان له كرامة وموقف، ويلتزم بمهام الحزب السياسي في تأطير المواطن سياسيا ودفعه للمشاركة في الشأن العام وتقديم طروحات وبدائل لإصلاح الواقع وتعديله...
 في هذا الاطار توجهت بعض الأطراف السياسية على غرار حركة التجديد الى المواطن لبيته ولعمله لا لتقديم العلب والهدايا  بل لتسأله عن مشاغله و مشاغل المنطقة التي ينتمي اليها وليقترح بدائل و يستمع لخطاب راق ومبسط لنشر الوعي السياسي و تكريس القدرة على التمييز والاختيار ووضع اللبنة الأولى في بناء المواطنة و للتعرف على مشروع الحزب دون اي ضغوط او مغازلة للمشاعر او استدراج بالمال او بالهدايا المسيّسة ...معولة على مناضليها الذين لا يمتلكون غير مشروع صادق وعزيمة على العمل الميداني في الأحياء الشعبية والأسواق واينما وجد المواطن مع ثقة كبيرة في قدرة هذا الشعب الذي اسقط دكتاتورية من أعتى الدكتاتوريات على استقراء الواقع وطرح المشاغل و اختيار المشروع والبديل الأنسب دون استمالات غرائزية ولا اشتراء ذمم ، هذه التجارة التي تحظر بقوة كلما غاب الصدق في الممارسة السياسية و المشروع ليتأكد الفرق الشاسع بين الأحزاب السياسية ذات المشاريع
محمد المناعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق