الخميس، 29 ديسمبر 2011

تونس كما نريدها


شباب تونس الذي عانى القمع والاضطهاد ، الذي عانى التهميش والإقصاء وكان مجرد عناوين باهتة في برامج انتخابية تعيد انتاج الدكتاتورية و تكرس الاستبداد ، اراده الطغاة مجرد ارقام في سجلات حزب الدستور وفي سجلات البوليس قبل ذلك ، تطارد أحلامه أينما حل عيون العسس المتربصين بكل فكرة أو كلمة تخرج صاحبها عن الصمت وعن الاصطفاف القطيعي ...فتوأد في مهدها .
شباب تونس الذي صنع ثورته ولا يزال يعلم أن الثورات لا تخلق من العدم ، يعلم جيدا أن ثورة الكرامة و الحرية هي نتاج تراكم وارث نضالي وأن ضريبة الحرية لم يدفعها فقط شهداء جانفي 2011 بل توجو سلسلة من النضال ضد كل الغزاة و ضد كل حاكم جائر ومستبد خاضته أجيال من مختلف الأطياف السياسية وكانت بصمة اليسار و صوت العقل و الانتصار للحرية والعدالة الاجتماعية الأكثر بروزا في الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وفي الجامعة والمنجم وفي كل عمل ابداعي منحاز لهموم الشعب ...تراكم ننهل منه اليوم لنصوغ مستقبل أفضل لهذا الوطن .
ثورة الكرامة والحرية كما لم تنطلق يوم 17 ديسمبر فإنها لم تنتهي يوم 14 جانفي بل هي مسار متواصل تؤسس فيه كل مرحلة للتي تليها ، عمل مستمر وتجديد متواصل لا ينتهي للنظم والمؤسسات وأساليب العمل والعلاقات والسلوكات و العقليات السائدة ...وتطهير دائم للمجتمع من أمراض الرشوة والمحسوبية و الفساد والوشاية والذل والخنوع و التواكل والاستقالة ...
شباب تونس كما شيبها ، نساء تونس كما رجالها في تطلع لتونس أكثر حرية ومجتمع أكثر عدلا ، تونس ديمقراطية لا بفكر طرف واحد بل بالتنوع والاختلاف والإثراء والمنافسة ، تنافس حول الإضافة لتونس وصياغة مستقبلها و حاجز مقاوم لأفكار الجمود والردة و الجذب للوراء التي دائما ما تقف حجر عثرة أمام مد الحداثة والتقدم ...وإعلاء للقيم الإنسانية في مصالحة مع الذات ومع الماضي دون الاعتصام به و محاولة إسقاطه على الواقع الذي لا يحتمل غير الراهن العقلاني الذي نؤسسه جميعا دون قوالب جاهزة شرقية أو غربية ...إن تونس التي نريدها ، دولة ديمقراطية حداثية مدنية تقوم العلاقات داخلها على أساس المواطنة ، تحترم فيها الذات البشرية بكل ما تختزنه من أفكار ومعتقدات وقيم وتصورات و ترعى فيها الاختلافات وينبذ فيها العنف وتصان فيها كرامة الإنسان وحرمة جسده ...كرامة لن تتحقق بدون التأسيس لمساواة فعلية بين الجنسين تشريعا وممارسة ومساواة بين الأفراد أمام القانون وفي الحقوق ومساواة وتوازن بين الجهات أمام المجهود التنموي و ضمان حق الشغل و السكن والأمن و الكرامة ... والعمل على الغاء كل ما من شأنه ان يحد أو يحول دون المواطن وحقوقه .
تونس المستقبل نريدها حرة مستقلة غير منغلقة ، منفتحة غير تابعة ترعى فيها الهوية بكل أبعادها و يصان فيها الارث الحضاري بكل مراحله و يفتح فيها المجال أمام النقد والتحليل للموروث وللتاريخ بما من شأنه التحرر من عقد الماضوية و استثمار المستنير من تاريخنا والاتعاظ من ماضي التخلف والاستبداد و التوقي من مخاطر الانزلاق من جديد نحو تقديس الأشخاص والبرامج وجعل الماضي هدفا لذاته.
ان ما يهدد مستقبل هذا الوطن ويمثل أكبر عدو لنا جميعا هو الاستقالة و ضعف الوعي ومنه تتسرب كل سلوكات الفوضى والاصطفاف خلف الرجعية انسياقا وراء العواطف وعجز عن التمييز أو الارتماء بين أحضان الأجنبي و التغريب الذي يطمس الهوية والخصوصيات الوطنية.
ان تونس في حاجة الى التجديد في اطروحاتنا وفهمنا للأشياء ، في حاجة للتجديد في سلوكاتنا وممارساتنا ، في حاجة الى التجديد في نظرتنا للاقتصاد والمجتمع والفكر والدين ورؤيتنا للأخر...ان تونس في حاجة الى التجديد بالقطع مع الماضي لتكون بحق ثورة الحرية والكرامة.
محمد المناعي
نشر 11 ماي 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق