الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

في عيدها السادس والخمسين : المرأة التونسية تخوض معركة جديدة من أجل التحرّر.


في عيدها السادس والخمسين :
المرأة التونسية تخوض معركة جديدة من أجل التحرّر.

إذا أردت معرفة مستقبل شعب فانظر الى مدرسته و"اذا أردت أن تعرف مدى تقدم مجتمع ما فانظر إلى وضع المرأة " كما يقول كارل ماركس، المرأة التونسية بعد أكثر من نصف قرن من مجلة الاحوال الشخصية تحتفل هذه الايام بعيدها و هاجس حريتها يعود من جديد بقوة بين هواجس أخرى متعلقة بالديمقراطية والتنمية والمستقبل و ليجعل نضالها من أجل المحافظة على حقوقها نضال وجود ، خاصة وان دائرة الحرية التي كانت ضيقة على الرجل والمرأة على حد سواء تزيد اليوم ضيقا على المرأة وتهدد صورة التونسية الحرّة العصرية والمناضلة لتعوضها صورة مستوردة غريبة بلا ملامح تقف ضد نفسها وضد حريتها وتكرس العبودية والمهانة .
لم ينقطع نضال المرأة التونسية من أجل دعم حقوقها طيلة عقود رغم الوضع السياسي و التضييق على الحريات الذي كان يحاصر المجتمع في عمومه ، اذ تم المتاجرة بالتشريعات التي حضيت بها منذ  الاستقلال و استعملت صورتها لتلميع الوجه القبيح للنظام المستبد وكانت وضعية المرأة هي الوجه الحقيقي لحالة المجتمع والبلاد من تجهيل وتهميش وقمع و استغلال وعرضة لكل أصناف العنف انطلاقا من العنف الأسري و تواصل النزعة الذكورية وصولا الى العنف في الشارع وفي العمل فضلا عن قمع المرأة المناضلة واستهدافها بالترويع والتشويه والهرسلة .
لم يزد الوضع بالبلاد المرأة سوى اصرارا على الدفاع عن مكاسبها ومكاسب المجتمع عموما والنضال من أجل الافضل فخرجت جنبا الى جنب مع الرجل احتجاجا على الاستبداد السياسي و النهب الاقتصادي الى أخر يوم في حياة النظام البائد حالمة بمستقبل أكثر حرية لها ولابنائها ولوطنها فمثّلت الثورة أملا جديدا لإنعتاق المرأة واستكمال لمواطنتها وعزم على بناء ديمقراطية فعلية ومجتمع عصري حداثي منفتح و أصيل تكون فيه المرأة النصف الذي لا غنى عنه في البناء والتنمية ، غير ان رياح الثورة أخرجت من المجتمع من بين ما اخرجت منه امراضا قديمة متجددة وعقدا كانت مكبوتة مثلت المرأة محور اهتمامها الاساسي .
وجدت التونسيات أنفسهن بين براثن تيارات تتلمذت على تلك الدكاكين الفضائية الممولة من النفط المنهوب من الشعوب ، تلك الدكاكين الوهابية التي تبيع الفتاوى والاواني  و تكرّس العداء للحياة فكان هدفها المرأة رمز الحياة ، تيارات همها المرأة والجنس لا ترى فيها سوى عورة ، سوى اداة للنكاح و آلة انتاج للأطفال و اشباع للغرائز وجزء من اثاث المنزل دون تعليم دون عمل ، دون اختيار و دون انسانية. نظرتهم الجنسية للمرأة تتمظهر في نقاط اهتمامهم بدء باللباس حيث النقاب الذي يطمس هويتها و يعزلها عن محيطها بتعلة درء الفتنة و عدم اثارة الغرائز وحيث الفصل بين الجنسين و الدعوة لختان الاناث و التعدد في الزوجات والزواج دون عقد مدني ... في تصور مهين للمرأة يستنقص من انسانيتها ومن كرامتها مستغلين مجموعة محدودة التعليم قليلة الوعي من الاناث الاتي رضخن لارادتهم طوعا او كرها ليحاولوا نشر نماذجهم الفاشلة في المجتمع .
لم تكن هذه التيارات مجرد تعبيرات مكبوتة وحسب بل هي امتدادات لمشروع منظم لتدمير بنية المجتمع واعادة تشكيله وفق رؤية افغانية - خليجية مستوردة غريبة عن مجتمعنا ، هذا المشروع رغم قوة الصد الذي وجده في المجتمع المدني والسياسي المستنير يجد له دعاة في الصفوف الامامية للماسكين بدواليب السلطة من دعوات حذرة من هنا وهناك لمراجعة بعض فصول مجلة الاحوال الشخصية و التواطؤ مع المعتدين على كلية الاداب بمنوبة وعميدها من دعاة الدراسة بالنقاب و الفصل بين الجنسين اضافة الى استقبال عناصر بارزة في الحركة الحاكمة لدعاة متطرفين يدعون الى اعادة فتح المجتمع التونسي و يروجون لعادات متخلفة . هذا المشروع الذي تتقاسم فيه التيارات الاسلاموية الادوار بلغ حد محاولة دسترة قوانين تحد من حرية المرأة و تتراجع بها عن حقوقها المكتسبة عوضا عن دعمها فقد اصرّت كتلة حركة النهضة بما - في ذلك النساء -على اعتبار المرأة مكمّلة للرجل لا مساوية له بما يعنيه هذا التراجع من مس بمواطنة المرأة ككائن مستقل بذاته ومساو للرجل في الحقوق والواجبات وفي القانون وامامه وفي المجتمع ،هذه الانتكاسة تكشف بجلاء موقف الطرف الحاكم اليوم من مسالة لا المرأة وحسب بل المجتمع ككل و الحريات العامة والفردية معوّلا على أغلبية نسبية زائلة وظرفية في المجلس و وذراع عنف في الشارع لتدمير ما بني في نصف قرن ، غير أن هذا الارتداد يجد مقاومة واضحة في حاجة الى الدعم سواء من داخل المجلس التاسيسي وخاصة الكتلة الديمقراطية و حتى من بعض شركاء النهضة في الحكم كما يجد رفضا في المجتمع المدني والجمعيات النسوية والحقوقية والأحزاب الديمقراطية التي نبهت الى خطورة المس من حقوق المرأة و التراجع عن مكتسباتها كما جاء في البيان الذي اصدرته مجموعة من الاحزاب مؤخرا و نظمت من أجل ذلك وقفات احتجاجية مطالبة بالتراجع عن الصيغة المهينة التي تم اقتراحها واقرار المساواة بين الجنسين صراحة في الدستور.
ان معركة حقوق المرأة لا تخاض قط في جانبها التشريعي الدستوري رغم أهميته بل تتجاوز ذلك الى البنية الفكرية والنفسية والاجتماعية للتونسي التي لا تزال تضع المراة موضعا دونيا يعيد انتاج المجتمع الذكوري الذي هضم حقوقها طيلة قرون كما أن المعركة تخاض على مستوى اقتصادي في تنمية عادلة تكفل للمرأة مكانها في العمل و تحقيق ذاتها وكرامتها وترفع عنها الاستغلال والتهميش وتخاض ايضا في المدارس بالدفاع عن مناهج تعليمية عصرية للمرأة فيه حظ كما الرجل تكرّس المساواة وتنشر ثقافة حقوق الانسان فضلا عن دور المجتمع المدني والسياسي في تأطير المرأة وتكثيف العمل التوعوي في صفوف الرجال والنساء على حد سواء لكي لا تصبح المرأة بنقص في وعيها مكرسة لوضعها الدوني ، ويضل النضال المستمر السبيل الوحيد لتحسين وضع المرأة والمحافظة على مكتسباتها ضد كل اشكال الارتداد .
                                                                                                    المناعي 7 أوت 2012