الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

السلف والخلف

حين كانت الأرض منبسطة في اذهان ابناء القارة العجوز،كان العرب يحلبون الابل والماعز ولا يأكلون الخبز الا نادرا، يحلمون بأرض فيها الماء والكلأ ، يقدمون قرابين لألهة مكة حينا وللفرس شرقا والروم غربا احيانا كثيرة .
حين كانت الصحراء شاسعة جرداء ، كان رعاة الابل يقضون ليلهم أمام الخيام  يوقدون النار طلبا للضيوف وتبجحا بالكرم تجاه الأخ والجار ويخططون للإغارة على الأجوار حين تشرق شمس يوم جديد ، يتسامرون في مدح القوي وهجاء الضعيف والوقوف على الأطلال ...
عندما كانت الحدود ترسم بالسيف كانت  السيوف في ايديهم والوثنية في قلوبهم ممزقون بين الشرق والغرب ليس لهم وطن الا الصحراء والقبيلة ، خصالهم هي كل الخصال السامية ... والوضيعة ايضا.
عندما ظهر محمدا رسولا ، حاربه الجميع  الا قلة ، قذفه الصبية بالحجارة فأدموا قدميه ، قالوا انه ساحر وكاذب ومنافق وقد علموا قبل نبوّته انه الصادق الأمين ، خططّوا لقتله  عندما أدركوا أن مصالحهم في خطر وألهتهم تهان وكلما توسع الاسلام تخان ، خانوا ألهتهم وغيروها وحطّموها بأيديهم وأمنوا بما جاء به النبي  وتحوّلوا في نظر انفسهم مؤمنين مسلمين.
حين أصبح للحياة طعم جديد ، توحدت الألهة في اله واحد وتواصل الحج والصلاة والزواج والعبودية والطواف والتجارة و نصرة القبيلة والثأر والغزو والغنيمة وكل ذلك اعلاءا لكلمة الله في الأرض ، واحتوت اخلاق العرب قيم الاسلام وتحوّل الولاء للقبيلة الى الولاء للرسول وابا بكر وعمر قبل ان تعود للقبيلة من جديد بعد ان تحولت الأرزاق من حمل بعير الى ارض بمساحة القارات و فرسان القبيلة الى جيش جرار اوله عند قادة المسلمين واخره عند قادة الكفر دعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ...أو هكذا اعتقدوا  
قاتل العرب كرجل واحد تحت راية واحدة للتوسع وساهمت الملائكة في توسعهم " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " ولمى رمى الله انتصر المسلمون وحصدوا الغنائم واعتقدوا أن كل القوى الكامنة في الطبيعة وحتى فيما وراء الطبيعة في خدمتهم  وعادو بعد وفاة الرسول على أعقابهم ...
مذ علا صوت السياسة من سقيفة بني ساعدة  سكت صوت النيّة فلم تعد الأعمال بالنيات بل بحجم الغنيمة من الكرسي و تناحر المبشرون وغير المبشرين لغاية في نفس كل منهم و سالت الدماء...
حين تجشأت الصحراء ماءا أسود كالحمأ المسنون سكب النفط على أواني حلب الماعز و مراكب اللؤلؤ و مواقد النار وخيام الوبر وسارت البواخر تحمل نفطا للعالم و تأتي بالمال و الحرير و الخبز و الجبن والجبن أيضا وما ادراك ما الجبن  ...لم يتغير ما بداخل ذلك البدوي سوى طيبته .
حين انفتحت أبواب السماوات والبورصات معا بأكياس الدولارات لم يتنازل البدوي عن جهله كما لم يتنازل عن عمامته لم يترك بساطة التفكير و ضيق الرؤية ، عوّض رمال الصحراء بسجاد فارسي ورخام ايطالي و عوض فراشه من جلود الماعز بزرابي مبثوثة و حرير واستبرق ولم يتخلى عن اباريق القهوة بل أضاف أباريق لسوائل أخرى فرضتها أجواء الجنة التي صنعها حوله بأنهار اللبن والعسل و الخمر و بالجواري الحسان والولدان وحتى شبكات النات المراقبة ...
ردم البحر و أضاف للخريطة جزرا و شيد أبراجا و لم يتعلم بعد صنع مسمار ...فهل يشقى الانسان في الجنة أبدا ولما كان الجحيم يحيط بجنته من كل جانب استنفر الأساطيل الأمريكية لحراسة وتأبيد الجنة الموهومة ...
حين كانت الأمم تتسابق نحو الفضاء كان بنو العرب ينظمون سباق الهجن والخيل وحتى الحمير ... يلثمون نسائهم و يضعونهن في أكياس سوداء شبيهة بأكياس القمامة و يوهموهن بأن الله أراد ذلك يضربوهن و يعاشروهن عن رضا وغصبا يخرجون كائنات شبيهة بالبشر تنغص حياة الناس و يتحاورون الليالي الطوال في تحريم خلع المراة لثوبها امام كلب ذكر بالغ ...يفتحون في الفضاء دكاكين لبيع الميوعة والتطرف معا يستثمرون المسروقات في بنوك لا ربوية وقنوات لا علمانية ويزعمون أن السلف الصالح كان يفقه في البنوك و في المضاربات و المخدرات ايضا ... يصدرون فتوى وينسبونها لله قتلوا انبياء العقل بينهم و اتهموهم بالكفر والزندقة و عمموا التطرف والظلامية ....
المناعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق