الخميس، 29 ديسمبر 2011

الدولة الديمقراطية علمانية بطبيعتها


تقوم الدولة الديمقراطية المدنية على تنظيم العلاقة بين الأفراد المنتمين للوطن المحدود جغرافيا وبشريا على اساس الانتماء لذلك الوطن وهو أساس المواطنة فالمواطن فرد مستقل بذاته في كل ما يخصه من فكر وسلوك و معتقد وعلاقات ومرتبط بالمجموعة التي ينتمي اليها هوية و تعايش وتضامن ومصير ...وبالتالي بقدر ما تضمن الدولة الديمقراطية الحرية الفردية للإنسان بقدر ما تنزله ضمن مجموعة بشرية ذات قواسم مشتركة ...
و في ادارة العلاقات بين المواطنين تقف الدولة على مسافة من خصوصيات الأفراد فتكفل للجميع الحرية وحق المشاركة دون تمايز على اساس الايمان او الجنس او العرق او اللون او الفكر فتكون دولة الجميع يعتبر فيها الاختلاف عامل اثراء لا عامل تفرقة ...فاحترام حقوق الانسان مطلب الانسان عموما و ضمان الحرية والكرامة وحرمة الجسد وحق التعبير والعمل والصحة والبيئة السليمة وحرية الفكر والمعتقد ثوابت انسانية تكفلها الدولة الديمقراطية الحديثة للمواطن ولا تمثل محل صراع او تنافس سياسي بين الأفراد والأحزاب والتنظيمات بل ان التنافس يكون على دعمها وترسيخها وضمانها و كيفية تحقيقها في البرامج الاقتصادية والتنموية والسياسية والثقافية المقترحة من كل طرف والمتنافسة على السلطة ...
و السلطة في الدولة الديمقراطية هي نبض وعي المواطن تتشكل حسب مستوى وعيه و تستجيب لطموحاته بقدر فعالية مشاركته فيها ترشحا وانتخابا ومراقبة و دعما ونقدا ...وهي متغيرة بذلك في برامجها بتغير اغلبية الراي العام السائد في حين تكون الدولة ثابتة بمؤسساتها و حيادها خدمة للمواطن لا خدمة للسلطة لذلك كلما تمازجت السلطة مع الدولة كلما بنيت لبنات الدكتاتورية واستدامة الحكم لصالح فئة او شخص .
ان الفعل السياسي في الدولة الديمقراطية هو المحدد للسلطة فالسلطة هي ترجمة لبرامج حزبية تم اختيارها شعبيا في اقتراع حر سري مباشر و الاختيار قائم بالضرورة على التمايز والتنافس و نسبية البرامج و بشريتها واستعدادها للإختيار الشعبي موافقة او رفضا ...فمكانة كل طرف سياسي ثابتة في الدولة لكنها متحولة في السلطة فصاحب الأغلبية يشارك في الدولة وفي خدمة المجموعة المواطنية من مكانه بالسلطة بينما الأطراف السياسية خارج السلطة تساهم في نشاط الدولة عبر المعارضة وهي مهمة مشاركة ومراقبة لضمان تطبيق البرامج وصيانة الثوابت ...
وبما ان التنافس بين الأطراف السياسية تنافسا يحتمل الفشل والفوز و يحتمل النقد والقبول والرفض فانه دليل على نسبية البرامج بدون استثناء و بالتالي لا مكان للمقدس بقداسته في البرامج بل هو من القيم العليا المنزهة عن التنافس السياسي المرحلي تكفل الدولة احترامه و تحييده عن السياسة باعتبار المقدس يقبل مطلقا او يرفض مطلقا بينما البرامج تناقش وتنقد ...وهذا لا يمنع استقاء واستنباط البرامج من المقدس لكنها بمجرد استنباطها تحمل في طياتها الجانب البشري لمن اجتهد و فسر و استلهم برامجه  فتكون برامج بشرية في النهاية ان نجحت نجح صاحبها و ان فشلت فشل صاحب البرنامج وهو يتحمل في كل ذالك مسؤولية البرامج لا المقدس ذاته الذي يبقةى مادة خام للجميع و يبقى التنافس بشري في كل ما يهم المسائل اليومية التسييرية للدولة وللمواطن ...
ان الدولة الديمقراطية تكفل الدفاع عن هوية المجموعة البشرية التي تنضوي ضمنها بما في ذلك اللغة والدين والمذهب والفكر و الأخلاق العامة دون فرض اي فكر ودون منع اي فكر فلا اقصاء في الديمقراطية الا لمن اقصى نفسه كالذي يعادي الديمقراطية ....
وبما ان البرامج السياسية بقطع النظر عن مراجعها تحترم قيم الديمقراطية وحق الاختلاف و التعددية والاعتماد على العقل وقبول النقد فانها بصفاتها تلك لا قداسة فيها وقوتها تكمن في مدى قابليتها للتحقيق وحبكتها وواقعيتها و تطابقها مع طموحات المواطنين و اختيارها من قبل الأغلبية  فتكرس اليّا الفصل بين السياسة النسبية والمقدس المطلق حفاظا على تعالي المقدس عن النقد والتشكيك و تحرير للسياسة من مكبلات المطلق نحو التنافس البشري على تسيير ما يهم البشر وهو عرضة مبدئيا للنقد و تقديم البدائل فلا بدائل للمقدس بقدر البدائل للبرامج.
ان تاريخ الحكم الإسلامي يعبر عن انفصال بين الممارسة السياسية والمقدس فالدولة الشيعية هي ترجمة لفكر معين مستقى من النصوص المقدسة والدولة الخارجية هي تطبيق لقراءة أخرى للنص المقدس و المذاهب والمدارس الفكرية الاسلامية هي فهم مختلف للنص المقدس مدى صحته او خطأه ومدى قبوله من الناس او رفضه يعكس بشرية هذا الفكر ونسبيته و اسست لقاعدة في الفكر الاسلامي تقوم على النص ثابت والاجتهاد نسبي متغير فلا قداسة للفكر البشري مهما كان صواب فهمه للمقدس ...ولا قداسة للفكر السياسي و البرامج والمواقف مهما كان التزامها بقيم المقدس ...ومن هنا تكون السياسة في الدولة  الديمقراطية منفصلة بطبيعتها عن الدين و تكون الدولة الديمقراطية علمانية بطبيعتها تكفل احترام المعتقد وحريته و تحيد به عن الصراعات السياسية .
محمد المناعي : 3 أفريل 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق