الأربعاء، 25 يناير 2012

مواضيع مختارة : قضية المرأة في كتاب الاسلام والحداثة لعبد المجيد الشرفي

 

قضية المرأة

بقلم : خالد غزال .
يفتتح الشرفي، في كتابه "الإسلام والحداثة"، الفصل الخاص عن المرأة بالقول :"من الأفكار الشائعة أنّ منزلة المرأة الدونيّة في المجتمعات الإسلامية عموماً والمجتمعات العربية على وجه الخصوص، تعود إلى ما اختص به الإسلام من تعاليم وأحكام عطّلت مساهمتها في الحياة الاجتماعية وجعلتها تحت سلطة الرجل أباً كان أم زوجاً وأحكمت حبسها في البيت لتكون أداة متعة وإنجاب وخدمة" (ص153). على غرار سائر الأديان التوحيدية في نظرتها إلى المرأة، من الخطأ تحميل النص الديني ما تفرضه على المجتمع تلك الثقافة السائدة حول المرأة. فهذه الثقافة المنسوبة إلى النص الديني هي في الأصل ثقافة موروثة من المجتمع العربي والإسلامي قبل الدعوة المحمدية. وإذا اعتبرنا أنّ النص الديني، في مجال الأحكام هو انعكاس للثقافة والتقاليد والعادات السائدة، في التعبير عنها وتمثل قسم منها وتجاوزها في الكثير من الأمور، عندها لا يعود مستغرباً أن نقرأ ما هو وارد في النص الديني عن المرأة إلاّ في وصفه نصوصاً وأحكاماً تتصل بزمان الدعوة ومكانها، وليس في وصفها قانوناً لكل زمان ومكان.
تعود النظرة السلبية في الإسلام تجاه المرأة إلى طبيعة التفسيرات العشوائية التي دأب عليها المفسّرون والفقهاء منذ القدم واستمرت تجرجر نفسها حتى العصر الحديث، بل ازدادت تراجعاً وتخلفاً مع الخطاب الأصولي المتشدّد تجاه المرأة وتحميل النص الديني تفسيرات مغالية بما يعطي صورة عن الإسلام في وصفه مرادفاً لظلم المرأة والحطّ من قيمتها. يشير الشرفي إلى مفاصل في هذا الخطاب الأصولي تجاه المرأة ويعدد بعض الخصائص العقلية التقليدية التي يبرّرها النص الديني، فيرى أنّ الأصوليين ينطلقون من مسلّمات:"1-اقتضت الحكمة الإلهية في تدبير الكون أن يقوم النظام الاجتماعي على شكل هرمي أعلاه الرجل وتحته المرأة ثم يليها العبد فالأمَة ثم الطفل والمجنون. 2- إنّ انحطاط حقوق المرأة عن حقوق الرجل نتيجة منطقية لانحطاط واجباتها عن واجباته أو بالأحرى تكليفها عن تكليفه"( الإسلام والحداثة، ص155). انطلاقا من ذلك يمكن تفسير هذا التذمّر الذي يبديه العلماء والفقهاء المتشبّعين بالثقافة التقليدية، حول الدعوات الحديثة إلى تحرير المرأة، فيعتبرون أن لا أساس لهذه الدعوات، لأن المرأة في نظرهم ليست مظلومة وإنها تتمتع بالحقوق التي ينصّ عليها الشرع والتقاليد التي سار عليها السلف الصالح. كما يرون أنّ هذه الدعوات تنسف "النظام الطبيعي ذاته كما أراده الله لعباده.. ولهذا السبب اعتبروا ويعتبرون تحرير المرأة العربية والمسلمة خدعة استعمارية ومكيدة صليبية اغترّ بها المنبهرون بالغرب فلم يدركوا تبعاتها في زعزعة نظام الأسرة الإسلامية وإشاعة الفساد في الأرض بالتحلّل من أسمى القيم الأخلاقية، فيعمّ الفجور محلّ العفة والتبرّج محل الحياء والتمرّد محل الطاعة بالمعروف" (الإسلام والحداثة ، ص156).
منذ بدايات عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر، احتلّت قضية تحرير المرأة حيّزاً واسعاً في المشروع التحديثي العربي والإسلامي بما يتجاوز النص الديني وفتاوى الفقهاء والتقليديين. يشير الشرفي إلى محاولات العديد من المفكرين والروّاد النهضويين الذين سلكوا درباً مخالفاً لهذه التصورات. رأى هؤلاء الروّاد أنّ المرجعيّات الفقهية تسعى إلى تفسير للدين الإسلامي يشوّه الكثير من جوهر هذا الدين خصوصاً في جانبه الإنساني، لذا كان لا بدّ من تجاوز الكثير من هذه التصورات الفقهية. وبما أنّ قضية المرأة ذات بعد اجتماعي وسياسي ويتصل بحقوق الإنسان والمساواة بين البشر، كان لا بدّ للفكر السياسي والاجتماعي الخاص بهذه المسألة أن يستلهم ما عرفته المجتمعات المتقدمة في الغرب على صعيد تحرير المرأة وتعديل القوانين المجحفة في حقها. وهو أمر لا يقع بتاتاً في خانة الالتحاق بالغرب والخضوع له على ما يقول الإسلاميون الأصوليون، فهذه المجتمعات الغربية عرفت في محطات تاريخية ما يشبه الوضع الذي تعيشه اليوم المجتمعات العربية والإسلامية في الموقف السلبي من المرأة والتمييز ضدها لصالح الرجل. إن ما عرفته هذه المجتمعات من تغيّرات طالت أوضاع المرأة كانت حصيلة نضال سياسي واجتماعي شامل انخرطت فيه المرأة بشكل أساسي ودعمتها فئات اجتماعية وسياسية وحركة فكرية كانت ترفض التمييز وتدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الميادين. يشير الشرفي إلى عدد من الرواد من أمثال الطهطاوي ومحمد عبده وقاسم أمين والطاهر حداد واحمد لطفي السيد وعلال الفاسي وخالد محمد خالد…وغيرهم، ترافقت طروحاتهم مع نضال خاضته المرأة نفسها عبر عدد من الرائدات في ميدان حقوق المرأة من أمثال ملك حفني ناصف ونظيرة زين الدين وهدى شعراوي… وغيرهن من المناضلات.
يخلص الشرفي إلى القول:"إنّ قضية المرأة ليست بمعزل عن القضايا التي تشغل بال المفكرين العرب والمحدثين والتي هي قضايا فكرية ودينية في احد وجهيها وسياسية اجتماعية اقتصادية في وجهها الآخر. وعلاقة الفكر الإسلامي المتّصل بها بالحداثة إنما هي علاقة بطرفين: بالقيم الحديثة الكونية في صبغتها رغم نشأتها في الغرب وبنقيضها أو خلافها أي قيم الماضي والموروث التي ما زالت غالبة على المجتمعات العربية بحكم بنيتها التقليدية الخالصة في بداية عصر النهضة وبنيتها المخضرمة بدرجات متفاوتة منذ ذلك الحين" (الإسلام والحداثة، ص173).

المراجع

عبد المجيد الشرفي: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، دار الطليعة، بيروت،2008 الإسلام والحداثة، دار الجنوب للنشر، تونس، 1998 لبنات، دار الجنوب للنشر، تونس، 1994 محمد حمزة: إسلام المجدّدين، سلسلة "الإسلام واحداً ومتعدداً"، دار الطليعة ورابطة العقلانيين العرب، بيروت، 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق