الأربعاء، 25 يناير 2012

مواضيع مختارة :الحركات الأصولية والتحديث، قراءة لمؤلف عبد المجيد الشرفي

الحركات الأصولية والتحديث

بقلم: خالد غزال 
يسود رأي شائع حول الموقف الأصولي من مظاهر التحديث وبالتالي الحداثة، وهو موقف يتّسم بالسلبيّة، واتهام هذا التطور الحضاري بتهم تقليد الغرب والخضوع لقيمه وأفكاره، وصولاً إلى المسّ بالقيم الإسلامية الموروثة. يفتح موضوع التحديث على مسألة التخلّف الحضاري والبنيوي للمجتمعات العربية والإقامة المديدة في الماضي والاستعصاء على الحداثة والتحديث. ليس مجافياً للواقع رد أحد العوامل الرئيسة لصعود الحركات الأصولية، إلى واقع التخلف هذا، الذي يطال جميع ميادين الحياة العربية. في مجتمعات لم تستطع مشاريع التنمية والتعليم التي قامت مع الاستقلالات الوطنية من ردم فجوات الفقر والبطالة والأمية، مقترناً ذلك بالهزيمة أمام العدو القومي، والعجز عن تحقيق نظام سياسي تسوده المساواة بين المواطنين والحفاظ على حرية الرأي… إن مجتمعات تعاني مثل هذه المعضلات تشكل تربة خصبة لنمو الأصوليات ومعها حركات التطرّف والإرهاب. تنعكس هذه المعضلات على أجيال الشباب التي تعاني مشاعر الضياع وافتقاد الأمل بمستقبل يلبّي الحدّ الأدنى من طموحاتها، مما يخلق لديها شعور بانسداد الآفاق وما ينتج عنه من إحساس بافتقاد المعنى الحقيقي لوجودها. تنجدل هذه الإخفاقات المجتمعية بشعارات طوباوية يعتمدها الخطاب الأصولي الذي يقدّم تفسيره لإخفاق الأنظمة الناجم عن الابتعاد عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وتقليد الغرب والالتحاق به، ويدعو في المقابل إلى تقديم الإسلام، وحده، طريقاً للخلاص وحلاًّ لمشكلات التخلف في المجتمعات العربية. يستحيل قبول الخطاب الأصولي وتقديم حركاته منقذاً للواقع المتخلف عربياً، لأنّ الحركات الأصولية في جوهرها تعبير عن أزمة انهيار مشاريع التحديث العربية في أعلى تجلّياتها وليست جواباً عنها.
تحتلّ مسألة العلمنة موقعا جوهرياً في مسار المجتمعات العربية نحو تقدمها الحضاري. يحمل الخطاب الأصولي عداءً شديداً للعلمنة استناداً إلى موقف عقائدي يقوم على ادّعاء وحدانية الدين والدولة في الإسلام، واعتبار الفصل بينهما، كما تقول به العلمنة، "بضاعة استعمارية" تتناقض ومبادئ الإسلام. ليس هناك من شك أنّ ما جرى تطبيقه من وجوه للعلمنة على يد أنظمة الاستقلال لم يصب في ميدان إبراز الجوانب الايجابية لها. بل إنّ بعض التطبيقات التعسّفية وضعت علامات استفهام حول صلاحية هذه العلمنة وإمكان مساهمتها في تقديم حلول لمشكلات مجتمعاتنا العربية والإسلامية. في أي حال، يظلّ النضال من أجل فصل المجال السياسي عن الديني حلقة مركزية في تحقيق الإصلاح الديني والسياسي وشرطاً لتجاوز الكثير من معوّقات دخول العالم العربي إلى العصر. وعلى رغم كل الصراخ الأصولي ضد العلمنة، فإن المجتمعات العربية والإسلامية تشهد اختراقات "علمانية" تطال حياة المسلم من دون أن يمكن له الوقوف في وجهها. يعلّق عبد المجيد الشرفي على هذه المسألة بالقول :"على أنّ الثابت هو أنّ مسار العلمنة اليوم يفعل فعله في هذه المجتمعات كأعمق ما يكون الفعل، فهو في بعض من ملامحه يعتبر تحدياً للإسلام التقليدي، إذ لا شكّ أنّ الإسلام قد فقد قسماً كبيراً من قيمة تفسيره للكون. وهو من جهة أخرى، في هذا المستوى، يعيش نفس المشاكل التي تعيشها سائر الديانات التي أصبح اعتناقها ينزع شيئاً فشيئاً إلى أن يكون اختياراً قلقاً. فلنراهن على أنّ المسلم وهو يعيش مع القرآن وضعاً من التأويل مستمراً سيتمكّن من تحيين الرسالة القرآنية من جديد بحسب مقتضيات الحداثة، وسيلتقي متجاوزاً تقلّبات التاريخ وما تفرزه من تحريف يصيب الشعور الديني بالمعنى العميق للإسلام، الذي لم ينزّل لغير سعادة البشر. فليس من شأن منطق الإسلام، وهو تعبير عن العناية الإلهية، أن يحول دون رقيّ البشرية" (لبنات، ص67-68).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق