الأربعاء، 18 يناير 2012

السلطة الجديدة : مسلسل الأخطاء تجاوزعدد أيام الحكم

 المناعي
12 جانفي 2012
يبدو من خلال تتبع الأحداث المتتالية منذ انتخابات أكتوبر 2011 بروز نسقين مختلفي السرعة والثبات بين شعب خطى خطوات ثابتة على درب المواطنة إحساسا واستعدادا للممارسة و بين سلطة لا تزال في مرحلة تلمس الممارسة الديمقراطية وعثرات ممثليها منذ البداية ، بل قبل حتى البداية أعطت انطباعا لدى الرأي العام بأن ما تغير لا يعدو أن يكون سوى تعويضا لأشخاص على نفس الجهاز بنفس الممارسات و بنفس طريقة تجييش الأنصار ومحاولة توظيف الإعلام وبالتلويح بالعصا الأمنية ...
مسلسل أخطاء السلطة الجديدة انطلق قبل حتى ميلادها بأن رشّح الحزب الحاكم الحالي رئيسا للحكومة قبل ظهور النتائج النهائية لإنتخابات المجلس التأسيسي و أوحى لجموع التونسيين أن هذا المجلس الذي هو افتراضا سيد نفسه ليس سوى غرفة للتصويت على ما يتفق عليه الحلف الثلاثي الذي اتفق على محاصصة أخذت من الشعب وقتا ثمينا حوالي شهرين على حساب قضاياه العاجلة فبدا الدستور آخر الاهتمامات إلى درجة التمسك بالجمع بين منصب الحكومة و عضوية المجلس في تحد لمنطق الأشياء الذي يفترض عند الجمع تقصيرا في إحدى المهمتين ...
مثل تنصيب رئيس الجمهورية من طرف حركة النهضة و الحزبين المزكيين لقراراتها نقطة أثارت عدة انتقادات لا فقط بين المعارضة لكن أيضا لدى الرأي العام الذي رأى في طقوس التنصيب مسرحية خلت من كل تشويق فأنتجت رئيسا مؤقتا فاقدا للصلاحيات واحتكارا كليا لرئيس الحكومة لكل للسلطة التنفيذية مع اقتصار رئيس المجلس التأسيسي على دور موزع الكلمة داخل المجلس ...رئيس الجمهورية المؤقت الذي تداخلت لديه صفة المناضل الحقوقي بصفة الناشط السياسي المعارض بصفة شريك حركة النهضة وصفة رئيس الجمهورية ممثل كل التونسيين، أطلق مبادرات تتجاوز صلاحياته على غرار نيته بيع القصور الرئاسية وتصنيف المواطنات حسب اللباس بين منقبات و محجبات وسافرات مما أثار حفيظة فئات عريضة من النساء و تهجم قيادات من حزبه على المنظمة العتيدة الاتحاد العام التونسي للشغل و اللجوء للإعتذار فضلا عن تبادل الاتهامات بين قيادات حزبه فيما بينهم على الفضائيات والإذاعات على خلفية المناصب الوزارية والتحالف مع حركة النهضة ، رئيسنا المؤقت لم يقف عند ذلك الحد بل تجاوزه للقيام بمغامرات دبلوماسية باستضافة وفد المجلس الانتقالي السوري و التدخل في الشأن الداخلي الجزائري مما أدى الى شن حملة اعلامية تجاوزت رئيس الجمهورية لتطال تونس وشعبها ...كما كان لتصريحه بخصوص علاقة الفرنسيين بتونس وتذكيرهم بماضيهم الاستعماري الأثر السلبي في الأوساط الإعلامية وحتى السياسية الفرنسية في وقت الاقتصاد التونسي في حاجة لكل شركائه لتدارك ما أفسده النظام السابق و عمقته الاعتصامات .
لم تكن مبادرات سيادة الرئيس المؤقت لتخفي تعثرات الحكومة التي توالت وتسارعت حتى كادت تمثل النشاط اليومي لسلطتنا الجديدة ،فالسلطة الفتية فضلا عن نهمها الشديد للحكم والاستفراد به وتلوينه سياسيا وقع خطابها في مطب الخلط بين التمثيل الحكومي والتمثيل الحزبي و تجاوز الطابع المؤقت الى درجة استهجان مصطلح المؤقت ذاته ... و انخرطت في جبهات مختلفة تهدد استقرار البلاد بل الحكومة ذاتها فملف المنقبات بالمؤسسات الجامعية و شطحات التيار السلفي التي عطلت الدراسة بكلية الأداب بمنوبة وروّعت المواطنين بسجنان أما صمت من وزارة التعليم العالي في الملف الأول و تهاون وزارة الداخلية في القضية الثانية جعل حكومة النهضة غير قادرة على الحسم في ملفات حساسة و مغازلة هذه التيارات المتشددة التي تريد تغيير النمط المجتمعي بالعنف الممنهج وفرض سياسة الأمر الواقع ...
تردد وزارة الداخلية في التعامل مع العنف الصادر عن ما يسمى بالسلفية اختلف كليا في التسرع بالتلويح بالحل الأمني للإحتجاجات المطالبة بالشغل و ممارسة العنف ضد الأساتذة الجامعيين والصحفيين بمناسبة الوقفة الاحتجاجية امام وزارة التعليم العالي و كذلك اقالة المدير العام لوحدات التدخل و الدخول في ازمة مع نقابات الأمن .
في ملف السياسة الخارجية و تكاملا مع اجتهادات رئيس الجمهورية المؤقت غير المدروسة واصلت حكومة الجبالي الخوض في قضايا حساسة في علاقة تونس بمحيطها حيث مثل استقبال اسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة و الاقرار بشرعية حكومته تدخلا في العلاقة الهشة بين الفصيلين الفلسطينيين حماس وفتح و تدخل غير مبرر في الشأن الداخلي الفلسطيني الجميع في غنى عنه ، كما مثل تصرف بعض الجماهير التي استقبلت هنية و الشعارات العنصرية التي رفعت احراجا للحكومة و لرئيسها مما أدى الى اعتذار زعيم الحركة الحاكمة ... في حين طرحت العلاقة المبالغ فيها بين السلطة الجديدة وقطر عدة نقاط استفهام خاصة مع احتضان قطر لصخر الماطري المطلوب للعدالة التونسية و علاقتها بالكيان الصهيوني و طالبان و لقاعدة عسكرية امريكية و تدخلها في الشأن الداخلي لعدة دول عربية ، هذه الدولة الصغيرة التي تريد ان تضع لنفسها موطئ قدم في المغرب العربي عبر ليبيا وتونس تمثل مصدر توجس لدى عدة أوساط سياسية في تونس التي لا ترى في المراجعة الجذرية في العلاقات الخارجية اي داع واي جدوى خاصة في ظل حكومة انتقالية مؤقتة .
لم تكن جبهة الاعلام التي فتحتها الحكومة على نفسها بأقل ضراوة واهدارا لطاقتها وضربا لصورتها بالداخل والخارج حيث تجمعت عدة مؤشرات دلت على نية واضحة لتوظيف الاعلام والهيمنة عليه انطلقت من نعت الاعلام العمومي بالحكومي التصريحات من هنا وهناك تتهم وسائل الاعلام بالانحياز لطرف دون اخر وصولا الى التعيينات التي دفعت الصحفيين الى الاحتجاج و عملية التجييش المناهضة لهذا الاحتجاج ارسلت رسائل سلبية لتعامل الحكومة النهضوية مع الاعلام الذي ابى الا ان يكون على درب الحرية والاستقلالية .
رغم خطاب الطمأنة والوعود والدعوة الى التوافق من الحكومة والى الهدنة الاجتماعية من رئيس الجمهورية المؤقت أراد حكام اليوم التفرد بمعالجة تركة ثقيلة من المسائل العالقة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا و ثقافيا ... بل وفتح جبهات جديدة تثقل كاهل الحكومة والبلاد معا مع اهتزاز الثقة بين الأطراف المتدخلة النقابية والاعلامية والحكومية ليدفع الجميع ضريبة نهم شديد للسلطة لم يولد غير مسلسل من الأخطاء والعثرات نتمنى جميعا تكون عرضية وان تكون العقلانية المنهج الأساسي لتعامل الحكومة مع جميع الأطراف وكل القضايا ووضع المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار حزبي او ايديولوجي  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق