الأربعاء، 25 يوليو 2012

مؤشرات "الدكتاتورية الناشئة " تعطي أكلها في أقل من أسبوع


مؤشرات "الدكتاتورية الناشئة " تعطي أكلها في أقل من أسبوع
محمد المناعي
من الاشارات الربانية الى الخلافة السادسة الى دكتاتوريتنا الناشئة زلات لسان ميّزت رئيس حكومتنا المؤقتة كما ميزت زلات حكومته في مجال التنمية و التشغيل و احترام حقوق الانسان مقابل الانتهاكات المتكررة للقانون و للحريات و الارتجال و السير الى الوراء بخطى ثابتة ، في ظرف اسبوع من الزمن ترتكب الحكومة خطأ اقتصاديا و خطأ سياسيا و تجاوز للحقوق والحريات الفردية في انتكاسات متتالية تنبؤ بتهديد المسار الديمقراطي .
الانتكاسة الاولى : اقالة محافظ البنك المركزي .
لم تمضي ايام على المدح والثناء الذي منّت به التشكيلة الحكومية على السيد مصطفى كمال النابلي لشخصه ولكفاءته قبل ان تصدر الاوامر الفوقية فتحول فجأة الى المسؤول الذي تسبب في كل ما فشلت فيه الحكومة الحالية و حتى السابقة الى درجة ان احدى النائبات النهضويات حملته مسؤولية الخوصصة في التسعينات ، هذه الاقالة بمبررات مضحكة لم تشفع للحكومة اخفاء المقايضة الطفولية بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ، بين غظ الطرف عن تسليم البغدادي المحمودي و اطلاق يد رئيس الجمهورية ليثبت ذاته عبر اقالة محافظ البنك المركزي مستندا لاغلبية مريحة في المجلس تصوت وفق انضباط عسكري ملفت .
هذا التعامل مع مؤسسات الدولة وفق منطق الشخصنة والمقايضة والترضيات هو ضرب فاضح لسيادة القانون و لتغليب المصلحة الاقتصادية العليا للوطن و ارتجال في الاداء يربك الوضع الاقتصادي الهش لبلادنا .
الانتكاسة الثانية : اقتراح المناشد عوض الكفء في منصب محافظ البنك المركزي 
في تواصل لموجة استقطاب رموز المنظومة السابقة واستعمالهم لتسيير شؤون الحزب الحاكم مستغلا خبرتهم الطويلة في الولاء الاعمى وذلك بالزج بهم في مفاصل الادارة و المؤسسات العمومية الوطنية و مقايضة ولائهم بالصمت والطاعة لم تهدئ موجة الاستياء من اقالة رجل مشهود له بالكفاءة كمحافظ البنك المركزي ليتم اقتراح اسم جديد مشفوع من احد مستشاري رئاسة الجمهورية بعلامة " نظيف " رغم أن الرجل الف الكتب و حاضر المحاضرات تمجيدا لبن علي وعهده وهو الذي أثنى على المناخ الديمقراطي الذي تنعم به تونس في ظل بن علي وهو الذي ساند من مجلس المستشارين قانونا يخون المعارضة ...فخيرت بالتالي بين عزل المفيد للإقتصاد الوطني و ستضع المفيد للخيار الحزبي.
الانتكاسة الثالثة : الترخيص لحزب يكفّر الديمقراطية و يدعو الى نظام قروسطي.
ان الديمقراطية عكس ما يتصوره الجميع لا تتسع الا لمن يقبل بها وتقصي مادونه وخاصة من يعمل على طمسها والقضاء عليها ، حزب التحرير الذي منحته النهضة تاشيرة هو حزب يكفّر الديمقراطية ويعتبرها بضاعة غربية ولا يعترف بالراية الوطنية و يصفها بالخرقة كما جاء على لسان امين عام الحزب و أكثر من ذلك لا يعترف بالوطنية و يرفع شعار " لا وطنية ولا قومية نريد خلافة اسلامية " ، هذا النظام الذي يدعو له حزب التحرير يقوم على حكم الفرد الواحد او ما يسميه بالخليفة ويضفي عليه قداسة بحيث تنتفي معارضته بل صرحت قيادات الحزب صراحة ان وصوله للسلطة يعني الغاء كل معارضة لا تستند للدين مرجعا لها... ان الاشكال القائم ليس في مبادئ حزب التحرير ذاتها ففي كل الدول تدعو مجموعات بشرية الي انظمة بدائية ومتطرفة عن الديمقراطية بل عنصرية في بعض الدول لكن ما هو غير عادي ان تمنح النهضة تأشيرة نشاط رسمية لمن يعادي الديمقراطية ورموز الوطن والنظام الجمهوري وهو تحالف ضمني يهدف للإطاحة بمكتسبات الشعب التونسي المدنية والحداثية و الهروب بها الى انماط قروسطية اثبتت محاولات تطبيقها في عدة دول الوجه الدموي والاستبدادي الفضيع  وهو ما يضع ايمان الحركة الحاكمة بالديمقراطية محل تسائل .
الانتكاسة الرابعة : التضييق على رواد المقاهي و الاعتداء على الحريات الفردية وحرية المعتقد .
اعتاد التونسي ان يصوم شهر رمضان بطريقته حيث يعتبره اكثر من عبادة بل من بين العادات يشارك فيها حتى غير الصائمين ، كما اعتاد استنكار علنية الافطار ، في نفس الوقت تعود على وجود محلات بالمدن الكبرى تفتح ابوابها للمفطرين على اختلافهم من غير المسلمين ومسلمين غير ممارسين و مرضى و عاجزين و مسافرين و غيرهم ، هذه المحلات التي تتستر احتراما لشعور الصائم وفي نفس الوقت توفر فضاء يغني المفطر عن الجهر بافطاره في الطريق العام وتقدم خدمة اعتادها التونسي واصبحت جزء من المشهد اليومي .
ما استجد هذه السنة تماشيا مع موجة التدخل في شؤون الاخرين التي دأبت عليها مجموعات تدعي تدينها هو الهجوم على بعض المحلات كما حدث في جندوبة و التهديد باغلاق أخرى بمدينة تونس مما حدى بالسلطة الى القيام بحملة لاغلاق بعض المطاعم خضوعا لإرادة هذه المجموعات وتعديا على حق المواطن في ارتياد هذه الفضاءات بل حقه في ممارسة عبادة الصوم من عدمه باعتباره شأنا شخصيا لا دخل لغيره فيه و يتعلل هؤلاء بقولة شائعة في مثل هذا الشهر وهي " اذا عصيتم فاستتروا " التي يعتقد أغلب الناس انها نصا دينيا فضلا عن ان مرتادي هذه المحلات ليسو بالضرورة عصاة حتى بالمفهوم الديني ذلك ان المسافر والمريض مرخص له بصريح الايات و لا احد من حقه اجباره لا على الصوم ولا على الافطار ، ماهو حري بالاهتمام في هذه المسألة ليس مجرد قرار من وزارة الداخلية بغلق محل يقدم وجبات للمفطرين في رمضان بقدر ماهو مدخل خطير للاستجابة لضغوطات المجموعات المتشددة في عملها على التضييق على الحريات اضافة الى تدخل السلطة التنفيذية في حرية المعتقد لدى الناس فالصوم والصلاة وغيرهما ممارسات فردية تهم العبد وربه و مهمة الدولة حماية هذه المحلات كفضاءات عامة و حماية مرتاديها و ضمان الحرية الفردية لكل مواطن متعبدا او غير متعبد لكي لا ننزلق نحو نماذج متخلفة كما في بعض الاقطار العربية والوصاية على المواطنين بما يشبه الشرطة العقائدية .
ان ما يزيد من خطورة زلات الحكومة المؤقتة ليست هفواتها العابرة و الظرفية بل العمل الممنهج على تغيير المجتمع وفرض نمط عيش غريب عن تقاليد الشعب التونسي باختلاق أزمات مفتعلة ذات علاقة بالعقيدة التي طالما كان التونسي متصالحا معها ومع نفسه ، و اتخاذ مثل هذه القرارات الاقتصادية والسياسية المرتجلة يجعل منها انتكاسات فعلية أمام المسار الديمقراطي و السلم الاجتماعي في البلاد.
25 <7<2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق