الأحد، 15 يوليو 2012

الانفلات في المساجد التونسية وعجز سلطة الاشراف



الانفلات في المساجد التونسية وعجز سلطة الاشراف
محمد المناعي
حلقة جديدة من حلقات الانفلات والعنف داخل المساجد شهدتها مدينة صفاقس في جامعها الكبير بعد ان عمدت مجموعة من الأفراد الى السطو على المسجد و الاستيلاء عليه بتغيير أقفاله ومنع امام الجمعة من اعتلاء المنبر وأداء مهامه ، كما عزلت امام الصلوات الخمس و ما صحب ذلك من تشنج وعنف متبادل داخل حرم الجامع و تحويله من فضاء للتعبّد مجمّع للمؤمنين الى فضاء للعنف السياسي والتجاذبات الايديولوجية ، هذه الأحداث تعيد من جديد الجدل حول تحييد دور العبادة عن الصراعات السياسية وحمايتها من المجموعات الاجرامية التي يمكن ان تعطل سير نشاطها وسلامة موظفيها و روادها .كما تطرح دور سلطة الاشراف و تهاونها في فرض القانون والمسك بزمام الأمور لإنهاء حالة الانفلات التي تردت فيها مساجدنا و الفضاء المشترك عموما .
يعتبر توظيف دور العبادة في تونس ليس بالأمر المستجد فقد مثلت المساجد اطارا للدعاية السياسية في العهد السابق بل لعبت حتى دورا أمنيا في تتبع المشبوهين و الاعتداء على حرية الفكر والمعتقد والانتماء السياسي ، بعد 14 جانفي من الطبيعي ان تحدث فوضى داخل المساجد وان يعمل روادها على اتخاذ موقف من الامام اما بالتثبيت او بالعزل خاصة في ظل غياب الدولة وحالة الانفلات العامة ، غير أن الملفت أن الفوضى سرعان ما اتخذت صبغة ايديولوجية وتحولت المساجد الى غنيمة و موطئ قدم لتيارات متشددة و أطراف سياسية ترى في المسجد امتدادا للحزب لنشر وجهة نظر معينة للدين والمجتمع والمرأة و السياسة و الاقتصاد والفن وغيرها وحتى هتك اعراض الناس والتدخل في شؤونهم الخاصة و توزيع صكوك الايمان والكفر على غير منهج .
لم تنجح مؤسسات الدولة في تجاوز عمليات الاستيلاء على دور العبادة وتحويلها الى فضاءات للتنازع المذهبي ولنشر الفتنة والفكر المتشدد الوافد من الدكاكين الفضائية الوهابية وغيرها وتواصلت المحاصصة بين من يركبون الدين لتبليغ فكرة سياسية الى درجة انخراط السلطة ذاتها في هذا النهج حيث يقوم أحد موظفيها الساميين برتبة وزير بامامة الناس لأداء صلاة الجمعة والحال أنه موظف مكلف بتطبيق برنامج الحكومة الذي صادق عليه المجلس التأسيسي برنامجا يهم جميع المواطنين على اختلاف مشاعرهم و ايمانهم واعتقادهم لا ترك ذلك و الجمع بين مهمتين مهمة سياسية ادارية ومهمة دينية ارشادية ، هذه اللخبطة ساهمت فيها السلطة بان نزلت الى الجوامع لتدعو الناس وترشدهم و جاءها الرد من منافسيها بان احتلوا بدورهم مساجد وروجوا لأنظمة حكم بدائية و كفرو المجتمع ودعوا في المنابر الى زعماء ارهابيين أمثال الظواهري وبن لادن وغيرهما كما حدث في جهة جندوبة اضافة الى الدعوة الى قتل رجال الأمن كما حدث بجامع الرحمة بنفس الجهة ولم تحرك وزارة الاشراف ساكنا سوى بالبيانات ومنها بيان 16 جوان الذي اشارت فيه الوزارة الى امكانية الإلتجاء لوزارة الداخلية لفرض القانون و اعادة الأيمة والاطارات الذين عينتهم الدولة .
لم تفلح لا بيانات وزارة الشؤون الدينية ولا تهديداتها بتطبيق القانون دون تطبيقه في الخروج من مأزق الانفلات داخل دور العبادة بل اكثر من ذلك أصبحت المجموعات التي تدعو للعنف تتحدى السلطة والوزارة والوزير نفسه كما حدث في مسجد حي الغزالة حين مني الوزير بفشل ذريع في التوسط لإعادة موظف من وزارته تم عزله من طرف مجموعة متشددة وبلغ الأمر حد " سرقة حذاء الوزير " في مشهد كاريكاتوري لهيبة الدولة و سيادة القانون ، وتواصل الأمر مع امام جامع الزيتونة الذي تورط في الدعوة الى اهدار دم الفنانين و تدخل في شان لا يعنيه وحرض على القتل ورفض قرار العزل الذي صرح به المستشار السياسي لوزير الشؤون الدينية وتحدى الوزير نفسه وعاد الى المنبر في الجمعة الموالية بل و نبه الوزير من مغبة التدخل في شؤون جامع الزيتونة .
هذا التسيب والتطاول على القانون لم يواجه سوى بالصمت والبيانات المنددة والحال ان اوكد مهام وزير الشؤون الدينية تدعيم اشراف الدولة على دور العبادة وفتح فضاءات للحوار بين هذه التيارات ذات الفكر الوافد المتشدد لا اهدائها المنابر لغسل أدمغة الشباب بترهات قروسطية لا علاقة لها بسماحة الدين الاسلامي ولا باعتدال الشعب التونسي وايمانه بالحرية ، بل ان وزارة الشؤون الدينية انخرطت في التجاذبات واصبحت طرفا في التنازع نتيجة تصريحات مسؤوليها ، على غرار العزم على التصدي لمذهب ديني اسلامي يؤمن به جزء من هذا الشعب تاريخيا وهو المذهب الشيعي في المقابل فتح المنابر امام دعاة شرقيين يستهزؤون بمكتسبات الشعب التونسي و يكفرون الديمقراطية التي ناضل من اجلها أجيال ، كما انخرطت في شأن لا يعنيها وهو تقييم الأعمال الفنية وتجريم الابداع بتعلة التعدي على المقدسات في حين تنتهك حرمة المساجد يوميا بالدعوة للعنف بل بالعنف ذاته اللفظي والمادي .
ورد في القرآن: و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ( سورة الجن ) في دعوة واضحة لصيانة حرمة المساجد و بيان وظيفتها الأساسية كفضاء لممارسة العبادة غير أن أول من تجاوزه هم من يتدثرون بعباءة الدين لتمرير برامج سياسية و تبرير العنف و الاعتداء على الحريات ، مهما يكن من أمر فإن السلطة مدعوة لتفعيل مراقبة تطبيق القانون في المساجد انطلاقا من أمن المصلين الى أمن الاطارات العاملة بالمساجد من أئمة ومؤذنين ومرشدين وغيرهم وخاصة ضمان تحييد هذه الفضاءات عن كل دعاية حزبية او مذهبية وعن كل دعوة للعنف والتباغض دون المساس بالحريات الفردية كالانتماء السياسي او المذهبي بشكل يقوم المسجد بدوره كفضاء جامع لا فضاء للصراع و التنازع الإيديولوجي والسياسي .
14 جويلية 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق