الأحد، 15 يوليو 2012

من تاريخ اليسار التونسي : " بوشكارة " جريدة عمال الرصيف 1928 صوت العامل وصوت اليسار .


من تاريخ اليسار التونسي : " بوشكارة " جريدة عمال الرصيف 1928 صوت العامل وصوت اليسار .

في احدى الوثائق القديمة عثرت على مقال عمره حولي 30 سنة لأستاذنا القدير العميد الحبيب الكزدغلي ، بعنوان " بوشكارة" يعود فيه أكثر من نصف قرن لبدايات الحراك الفكري والسياسي التونسي و خاصة الحراك العمالي و اليساري بالبلاد .
بوشكارة هو ذلك العامل المفقّر الذي لا يملك من الدنيا غير جهده ولا يملك من الحقوق غير اجر يقيه الموت هو و عياله ليعود من جديد للكد في اليوم الموالي ، انه عامل الرصيف الذي لم يجد من الثياب ما يقي جسده حر الصيف وما يصمد في وجه الشقاء الذي لا ينقطع، بوشكارة اذن هو ذلك البروليتاري المعدم الذي يجعل من الكيس " الشكارة " لباسا له .
ما يلفت الانتباه هو ان هذا العامل له استعداد للنضال من اجل حقوقه يضاهي صبره على الاستغلال الذي يتعرض له ، ومن هنا كانت " بوشكارة " نشرية ناطقة باسم الخلية الشيوعية لعملة الرصيف سنة 1928  [i] ، هذه الصحيفة تعرف نفسها على انها صوت عمال الرصيف و " محرريها يعملون معكم كل يوم ويقاسمونكم الامكم وحياتكم الصعبة ، ان هدفه تعرية حالتكم البائسة وحالة الشركات الإستعمارية التي تثري عن طريق عرق جبينكم ..."
هذه الصحيفة الشهرية لا تستغل فقر العمال للإتجار السياسي بل تكشف بصريح العبارة عن هويتها السياسية وخطها وتقول :"ان هذه الصحيفة هي لسان الخلية الشيوعية بالرصيف التي تعمل من أجلكم وتوضح لكم أن الحزب الشيوعي يناضل من أجل استقلال البلاد وتحرير العمال "
تتناول الجريدة لا فقط الإهتمامات اليومية لعامل الرصيف بل تتجاوز ذلك الى القضية الوطنية قضية الاستعمار ونهب خيرات البلاد واستغلال طاقاتها وثرواتها و تقول " ان تصدير الحبوب سيبدأ عن قريب والحصيلة تبدو وافرة للمعمرين الذين سيفرضون عليكم القيام ب 12 ساعة عمل في اليوم مقابل 10 فرنكات ، ان الارض التونسية أصبحت مصدر اثراء للمعمرين والشركات الكبرى الاستعمارية ومصدر تعاسة وفقر للعمال التونسيين .."
وفي الشان السياسي تقوم الجريدة بتوعية العمال بالقضية الوطنية " ان قيام ذاتية لبلادنا لن تتحقق الا بالتحرر من الاستعمار وان الاستقلال لن يمنح عن طيب خاطر بل بالقوة " كما تقوم بتوعية نقابية لعمال الرصيف وتعمل على دفعهم للتنظم النقابي " ان الراسماليين الذين يستغلون الموانئ التونسية هم على غاية من التنظيم والوحدة ونحن بدورنا يجب ان نكون صفا واحدا ، ان عمال الرصيف بصفاقس يريدون الاتحاد معنا فعلينا عقد مؤتمر وتكوين الكنفدرالية العامة لعمال الرصيف ..."
وباعتبار اقتران القضية الوطنية والنضال ضد الاستعمار بالعمل السياسي فان صحيفة " بوشكارة " تدعو قرائها الى الانتظام السياسي في حزب عمالي يضمن لهم الدفاع عن مطالبهم و المطالبة بالاستقلال الهدف الأسمى " فعلى كل الذين فهموا واقتنعوابقيمة نظريتنا ان ينخرطوا ويدعموا صفوف الحزب الشيوعي ، الحزب الذي أكد بكل وضوح مطالبته بالاستقلال ."
ان هذه الأسطر القليلة من صحيفة منسية مرّ عليها ما يقارب قرنا من الزمن تكشف تجذّر النضال النقابي و اليساري الشيوعي في هذه البلاد و تكشف المطالبة المبكرة للشيوعيين بالاستقلال و في ذات الوقت نشر الوعي الوطني في صفوف عامة الشعب وخاصة الوعي النقابي وتخريطهم في المطالبة بحقوقهم من المستعمر ، كما تكشف هذه الصحيفة عراقة العمل الاعلامي والنضال بالقلم في تاريخ تونس وخاصة الصحف والنشريات اليسارية التي كانت قريبة من هموم العمال بل نابعة منهم وتبين بما لا يدعو مجالا للشك الوعي المبكر للحزب الشيوعي التونسي بضرورة المطالبة بالاستقلال وانهاء حالة النهب الاستعماري ، ان تاريخ بلادنا في حاجة الى المراجعة الجذرية و اعادة الاعتبار لمن تعرض للتغييب الممنهج خاصة تاريخ اليسار التونسي .
محمد المناعي :15 جويلية 2012 



[i]  مقتطف من مقال الاستاذ الحبيب الكزدغلي ، الطريق الجديد 26 جوان 1983
المصادر :الطريق الجديد 26 جوان 1983 ، مقال بعنوان بوشكارة ،الحبيب الكزدغلي.
ملاحظة :المقتطفات من جريدة بوشكارة فقط مأخوذة من المقال المذكور
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق