الاثنين، 28 مايو 2012

تعويض المساجين السياسيين أو التكسّب من النضال


تعويض المساجين السياسيين أو التكسّب من النضال
بقلم: المناعي (نشر بجريدة الطريق الجديد 26 ماي 2012 )
يتواصل الجدل في الأوساط السياسية حول موضوع التعويض المادي للمساجين السياسيين واذ تتمسك حركة النهضة بضرورة رصد تعويضات مالية ضخمة لأتباعها فان الحركة النبيلة والنضالية التي قام بها المساجين السابقين من اليسار والمتمثلة في رفض مقايضة سنوات السجن و النضال ضد الدكتاتورية بالمال لفتت الأنظار وثمنها كل من آمن بان النضال واجب وليس منة او تجارة و فتحت الباب امام عدة تسائلات حول مشروعية التعويض وزمنه ومستحقيه ودور العدالة الانتقالية في هذا الملف .
ما انفكت حركة النهضة منذ توليها الحكم التعامل بمنطق الغنيمة حتى مع شركائها وتتناسى طبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد والتي تتطلب جدية في التعاطي مع الملفات العالقة ووضع مصلحة البلاد و تركيز اسس صلبة للديمقراطية فوق كل المصالح الحزبية والفردية الضيقة ، واذ تبدو نزعة الهيمنة على الادارة و الاعلام واضحة فان الفشل الذريع الذي منيت به في معالجة الملف الاقتصادي بعد نصف عام من الحكم يطرح بجدية العجز الواضح على قيادة البلاد والخروج بها من الأزمة ، ومواصلة لمنطق الغنيمة طرحت الحركة موضوع التعويض المالي لسجنائها في عهد بورقيبة وبن علي وتداولت الأوساط الاعلامية والسياسية مبالغ خيالية مرصودة لهذا التعويض تنبؤ بتشكيل طبقة من الغانمين من الثورة .
من جهة أخرى تطرح مشروعية التعويض ، فلطالما حوّل ماسكي السلطة اليوم السنوات التي قضوها في السجن الى موضوع للمزايدة و للتجارة السياسية والحال ان أجيالا تعاقبت على السجون منذ فترة الاحتلال الى العهد البورقيبي الى اليوم من المناضلين ضد الاحتلال الى المناضلين ضد الحكم الفردي من اليسار من الحزب الشيوعي التونسي ويساريي افاق و التيارات السياسية المنبثقة عنها اضافة الى النقابيين والطلبة واليوسفيين و اجيال من العروبيين البعثيين والناصريين وصولا الى التيارات الاسلاموية المختلفة التي دخلت في صراع مع السلطة الحاكمة من اجل الوصول الى السلطة وتنفيذ مشاريعها وعلى راسها اقامة الدولة الدينية التيوقراطية مما جلب لها سنوات من السجون والتعذيب و احكام تتراوح بين جرائم الحق العام و قضايا متعلقة بالنشاط السياسي واخرى بتهم العنف .
 لا شك ان من حق كل متضرر من الدكتاتورية التعويض عن ضرره غير ان النضال لا يعوض ماليا بل يكرّم صاحبه بعد اعادة فتح للملفات بجدية و اعادة التحقيق في عدة قضايا ،اذ يعلم الجميع ان الحملة التي شنها نظام بن علي على المنتمين للتيار الاسلاموي اختلطت فيها الأحكام بين جرائم حقيقية و تلفيق قضايا وهمية وحكم صريح على الانتظام في جمعية او حركة غير مرخص لها وغيرها مما يجعل من الخطأ وضع الجميع في سلة واحدة و سحب صفة النضال على الجميع، وربما يطرح السؤال الذي تخشى كل الأطراف طرحه ...النضال من أجل ماذا ؟ هل من أجل العدالة الاجتماعية و الحق في الشغل والكرامة ؟ هل من أجل الديمقراطية و التداول السلمي على السلطة ؟ هل من أجل احترام حقوق الانسان والمواطن ؟ ام من أجل ارساء دولة تيوقراطية و التداول على الاستبداد ؟
ان الضرر الذي لحق بالشعب التونسي سنوات القهر لم يقتصر على سجن وتعذيب السياسيين بقدر ما امتدت جذوره لكل شرايين الاقتصاد والحياة اليومية للناس حيث انتهكت اعراض و انتزعت املاك من اصحابها غصبا و نهب المال العام و طرد موظفين من أعمالهم والتضييق على المناضلين في عملهم وقوتهم ، ومن جرائم الدكتاتورية تهميشا جماعيا و اقصاءا لجهات بأكملها وحرمانها من التنمية العادلة و من جرائمها الفساد المالي و الاداري فضلا عن انتهاك حقوق الانسان داخل السجون وخارجها...هذه الممارسات وغيرها تتطلب حوارا وطنيا واسعا و تروّ في فتح الملفات و اعادة التحقيق في اغلبها من طرف مؤسسات محايدة عن السلطة وعن اي نفوذ حزبي من أجل التسريع باسترداد حقوق كل من انتزعت منه املاكه او عمله و ضمان العيش الكريم لكل من ادى به الضرر الى العجز عن كسب قوته ومعالجة ضحايا التعذيب والتنكيل واعادة الاعتبار لكل من ناضل عبر تكريمه دون مقايضة ما قام به من واجب بالمال خاصة اذا كان مصدر التمويل مالا عاما من أولويات المرحلة توجيهه للتنمية والتشغيل ولتركيز مؤسسات الدولة والقضاء على التهميش .
يبدو موقف مناضلي اليسار و العائلة التقدمية من ناشطين سياسيين وحقوقيين موقفا مشرّفا بعدم قبول اي تعويضات على سنوات النضال ، النضال الحقيقي ضد الحكم الفردي ومن اجل العدالة الاجتماعية والحريات العامة واحترام حقوق الانسان والتداول السلمي على السلطة هذا التنازل الذي أحرج دعاة المقايضة بالمال أكد الفرق بين من ناضل من أجل حزبه ومن ناضل من أجل شعبه و مهما يكن من أمر فان تفعيل العدالة الانتقالية ومحاسبة من أفسد ومن أجرم هو المدخل الضروري لطي صفحة الماضي وتوضيح الرؤية لكي لا يتحول النضال الى موضوع للمزايدة ولا الى مصدر للكسب المادي .

هناك تعليق واحد: