الأربعاء، 13 يونيو 2012

حكومة انقاذ وطني في مواجهة الاصرار على الفشل


حكومة انقاذ وطني في مواجهة الاصرار على الفشل
بعد أكثر من ثمانية أشهر على انتخابات أكتوبر وبعد الفشل الذريع الذي منيت به حكومة النهضة على جميع الأصعدة في الاقتصاد والتشغيل والأمن و الاصلاح والعدالة الانتقالية ، تعالت أصوات معارضة تنادي بحكومة انقاذ وطني برئاسة شخصية غير حزبية تقي البلاد التجاذب السياسي و تعمل بوفاق على حل الملفات المستعجلة و على راسها الملف الأمني وقد تزعم هذه المبادرة الحزب الجمهوري و خلف ردود فعل متباينة بين مساند و بين رافض ومتمسك بشرعية انتخابية اهترأت و وتحوّلت في غياب الوفاق الملاذ الوحيد للحكومة في مواجهة منافسيها ومنتقديها .
يعود النقاش حول تسيير وقيادة المرحلة الانتقالية الى ما قبل 23 أكتوبر حين طرحت مجموعة من الأطراف السياسية التي تحولت فيما بعد الى المعارضة مشاريع حكومة تكنوقراط يتم الاتفاق على تركيبتها بين الأطراف المكونة للمجلس التأسيسي لتسيير البلاد لمرحلة انتقالية ثانية في حين يتم تركيز المجهود على التسريع بانجاز دستور للبلاد و انجاح انتخابات تشريعية ورئاسية وبلدية تضمن الاستقرار و يأخذ كل طرف موقعه من المشهد السياسي بين سلطة و معارضة ، واجهت النهضة هذا المشروع بمشروع الترويكا و بالاعلان عن رغبتها في رئاسة الحكومة و توزيع السلطات المؤقتة بين حليفيها و لسحب البساط من تحت خصومها طلبت النهضة من بقية الأحزاب الالتحاق بالحكومة تحت قيادتها بتعلّة الشرعية والأغلبية ،فكانت بداية الفرز السياسي والاصطفاف بين حكومة ومعارضات على مسافات مختلفة من السلطة القائمة تعرّضت طوال الفترة الانتقالية الى اليوم الى تهم العرقلة و التخوين والمآمرة و التشويش وغياب الاقتراحات والهيمنة على النقابات والاعلام و الوقوف وراء الحراك الاجتماعي من اضرابات واعتصامات ... وفي كل ذلك جعلت الحكومة المعارضة الشماعة التي تعلق عليها فشلها وتعثر ادائها و أداء وزرائها .
لم توفق الحكومة منذ تنصيبها في فتح حوار وطني حول المسائل الحساسة العالقة سواء مع الاطراف الاجتماعية و على راسها الاتحاد العام التونسي للشغل أو الأطراف السياسية واستفردت باسم الشرعية في مواجهة الجميع الا المشكلات العالقة، بجيش من الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين تتالت أخطاء بعضهم وبدا عجز بعضهم الأخر و انخرط أخرون في مهاترات اعلامية لا طائل من ورائها تستهدف الاعلام والمعارضة والمنظمة النقابية .
لم توفق الحكومة في فتح ملف التشغيل والتنمية واعتمدت سياسة المسكنات للجهات التي لا تزال تحتج تحت وطأة الفقر والبطالة والتهميش و غياب الدولة و لا تجد من الوزراء غير الوعود و التراجع عنها و في أقصى الحالات الامضاء على تعهدات واتفاقات على مستوى وطني وجهوي تضل طي الأدراج أو يتم التراجع فيها علانية ورمي الكرة تارة الى الاتحاد مطالبة اياه بالصبر على عجزها و طورا للإعلام الذي يغطي نتائج الفشل الحكومي و يبحث عن استقلاليته و أحيانا أخرى للمعارضة مطالبة ايها بان تبارك ما تفعله الحكومة لكي تكون بناءة و جدية وتضيق بنقدها والبدائل التي تقدمها سواء داخل المجلس أو خارجه و يبقى المشهد الاقتصادي في تدهور مستمر رغم الأرقام الايجابية والمتضاربة التي تقدمها الحكومة... و يزداد تعطل الإستثمار بناءا على كل ما سبق وعلى مكانة الاقتصاد التونسي في المشهد العالمي ..
ولعل الرهان الذي خسرته حكومة النهضة و أتباعها وحلفائها هو موضوع العنف السياسي تحت تسميات مختلفة و الذي تجسد بل وتكرّس في فترة وجيزة انطلاقا من الميليشيات التي تفسد التحركات السلمية و تشوش على الندوات والمحاضرات وتقتحم حرمات الكليات و المعاهد والمدارس وتعتدي على الحقوقيين والسياسيين والأساتذة وصولا الى وجود عصابات اجرامية تفتح النار على قواتنا المسلحة كما حدث في بير علي بن خليفة أو في الروحية أو جندوبة حيث تتدخل نفس المجموعات الاجرامية لتروع السكان و تتدخل في شؤون لا تعني سوى الدولة لوحدها في استهانة بالمؤسسات وبالقطاع الأمني ذاته ومن ورائه هيبة الدولة التي تهتز سواء بالتواطئ و الصمت ازاء العنف الممنهج الذي يمارس على الجميع أو بالاعتداء على حقوق الانسان وحرياته الشخصية في تبني الفكر والمعتقد الذي يراه مناسبا و احترام كل احتجاج سلمي لا يعطّل الأنشطة الحياتية للدولة والمواطن من ناحية أخرى .
أمام تردي الوضع و بقاء هذه الحكومة تراوح مكانها لعدة اسباب يبدو الوضع ملحا على الدفع نحو حكومة انقاذ وطني تكون محدودة العدد ليست وفق محاصصة حزبية اثبتت فشلها، لها أهداف واضحة ومستعجلة، تعود بالنظر للمجلس الوطني التأسيسي لإتخاذ القرارات الحاسمة تأخذ على عاتقها الملف الأمني وملف الجرحى و الشهداء و ملف المعطلين  ونصيب الجهات المحرومة من التنمية العادلة و تجلس مع جميع المتدخلين في الشان الوطني الاقتصادي والاجتماعي والسياسي و مصارحة الشعب بقدرات الدولة و امكاناتها الحقيقية وتشريك الجميع قبل تحميل الجميع مسؤولية انهاء الفترة الانتقالية بدستور و مؤسسات ديمقراطية و انتخابات شفافة بتنظيم من هيئة مستقلة لا تشوبها اية شائبة وتجاوز منطق الأغلبية والأقلية التي تتجاهل حقيقة ان الأغلبية تم اختيارها في انتخابات تاسيسية بناءا على مشروع للدستور لا بناءا على برنامج اقتصادي لتحكم البلاد والعباد على خلاف ما تتطلبه المراحل الانتقالية .
و في النهاية تبقى مسؤولية القوى التقدمية و الأحزاب الديمقراطية كبيرة في انقاذ البلاد واعادة مؤسسات الدولة لنشاطها والحزم في التعامل مع ظاهرة العنف السياسي و قيادة البلاد توافقيا الى الاستحقاقات الانتخابية القادمة .
الأربعاء 13 جوان 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق