الجمعة، 4 مايو 2012

تونس بين الأبناء الشرعيين للثورة والورثة الأوفياء للسلطة


تونس بين الأبناء الشرعيين للثورة والورثة الأوفياء للسلطة

يتزايد التناقض وتتسع الهوة يوما بعد يوم بين السلطة الهاوية وبقية المجتمع وقواه الحية من ديمقراطيين ونقابيين وإعلاميين وحقوقيين وغيرهم ويتأكد بما لا يدعو مجالا للشك أن للثورة أبناء شرعيون يدافعون عنها وللسلطة ورثة أوفياء لسابقيهم يدافعون عن انفسهم ويسيّرون نفس الجهاز بنفس العقلية ونفس النهم للهيمنة ، هذه الثنائية ليست وليدة اليوم بعد فشل الحكومة وهبّة المعارضة وعودة الشارع الى زخمه، بل هي حقائق تمتد جذورها في التاريخ القريب والبعيد فلنعد الذاكرة علّنا نعتبر:
هي ذاتها الوجوه تعترضك في الاحتجاجات الطلابية والعمالية ، في مسيرات الحرية المطالبة بمدنية الدولة وحق التعبير والإبداع ، هي ذاتها العقول التي حملت في أدبياتها منذ عقود فكر الثورة والعدالة الاجتماعية وتحديث المجتمع وتحرير المرأة وثقافة حقوق الانسان ،هي ذاتها التي ناضلت طيلة سنين من أجل ديمقراطية تضمن التداول السلمي على السلطة دون عنف ودون انقلابات وطرحت على نفسها تغيير المجتمع نحو قيم الحداثة دون ترهيب . وفوق ذالك اختارت الصمود على هذه الأرض دون هروب او لجوء و استغلت كل متنفس للتعبير عن بدائلها سواء في ساحات الجامعة او في ظل المنظمة النقابية أو بين أعمدة بعض الجرائد المناضلة ...هي ذاتها الوجوه التي اتهمت بالشرذمة الضالة وبالعمالة وشكك في وطنيتها وطالتها التشويهات الشخصية و التضييق في كل مكان ...
لم يرفع في الثورة وموجة الاحتجاج يوما غير شعاراتها التاريخية المطالبة بالديمقراطية والحرية ضد الفساد والاستبداد والرشوة والحكم العائلي والولاء و ضد القمع ومصادرة الحريات والمدافعة عن عدالة اجتماعية بين الجهات والفئات ..
غير أن انتخابات أكتوبر 2011 لم تكن وفية لهذه الشعارات باعتبار أنها ترجمة لبرامج أقلية مناضلة في حين كانت الصناديق أقرب لقاعدة شعبية مهمشة غير واعية لم تتح لها فرصة العمل السياسي الفعلي ولم تتح لها معرفة آليات التمييز بين البرامج ...تعلم أن مشاكلها مزمنة لكنها عاجزة عن اختيار الطرف المناسب لتحقيق أهدافها وتطلعاتها فأفرزت من يحكم اليوم دون برامج في عجز تام عن الوفاء لمطالب ثورة قدمت له على طبق من ذهب ودفعت الضريبة من دماء الشباب الشهداء وجرحى الثورة ونضالات القوى الديمقراطية والتقدمية .
ان هذه الأطراف التي استغلت المشاعر الإيمانية و بساطة شعب عاش تصحر ثقافي وسياسي للوصول الى السلطة لم تجد في أدبياتها ما يدفع للثورة أو حتى للديمقراطية فقد كان خطابها مركزا على مسائل الهوية والمحافظة وتنظر لأنظمة اجتماعية قروسطية بالأمس القريب تعتمد قواعدها العنف والترهيب للتغيير الاجتماعي في تونس وفي الدول المجاورة وتعتمد العنف والانقلابات للتغيير السياسي وتنظر لحكم تيوقراطي جوهرا وشكلا وفي أفضل الحالات الإعتماد على اليات الديمقراطية لدسترة الجوهر التيوقراطي للنظام السياسي ، دفعت في سبيل ذلك سنين من السجون والمنافي بتهم الارهاب والعنف ومحاولات الانقلاب في تونس كما في مصر والجزائر وغيرها كما كان من غباء الأنظمة الدكتاتورية أن زجت بالاف من الشباب تحت طائلة قانون مكافحة الارهاب في غالب الأحيان بسبب وشاية أو بلاغ كيدي او لمجرد التردد على المساجد فجرا وغيرها من القضايا التي أدخلت هذه الفئة العريضة من الشباب المتدين في دوامة الاسلام السياسي من حيث لا تشعر...فأصبحت بعد تحررها وقود من يتاجر بالدين خدمة للسياسة ...
لم يكن ماسكي السلطة اليوم من الاسلامويين في علاقة مباشرة بمطالب الثورة و مسألة الحقوق والحريات فبدى الأمر معهم بمثابة انهاء لحكم حزب مهيمن وإرساء لحزب أخر يحكم بنفس الجهاز ونفس العقلية مع اضافة أساسية في علاقة بالمعارضة والرأي المخالف من التخوين والتشويه الى كل ذلك ومعه عقلية المؤامرة والتكفير وفي المقابل فشل ذريع في التعاطي مع القضايا الأساسية العالقة والعاجلة ..
فملف التشغيل لا يزال كما تركته حكومة السبسي بل زاد عدد المعطلين نتيجة الاعتصامات وإغلاق المؤسسات ومع نهاية كل سنة جامعية يرتفع عدد المعطلين من أصحاب الشهادات الذين لم تتخذ معهم الوزارة اي اجراء جدي ، وفوق ذلك تمارس ضدهم ابشع انواع القمع والعنف بلغ ذروته يوم 7 أفريل .
فشلت الحكومة بعد أكثر من مائة يوم في التعاطي مع موضوع الحريات العامة والفردية ففسحت المجال أمام التهجم على الاعلام والاعلاميين وقمع المظاهرات السلمية والكيل بمكيالين في التعاطي مع التعبيرات الحرة للقوى الديمقراطية التي تواجه بالقمع والتحركات العنيفة لأتباع التيارات المتشددة التي رفعت السلاح في وجه الجيش الوطني و اعتدت على راية الوطن وتحرشت بالمبدعين والفنانين وتوصف بكل بساطة بأنها شريك في الثورة .
فشل في معالجة موضوع المحاسبة وموضوع الجرحى وفوق ذلك تعنيفهم أمام وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية التي لم تحرك ساكنا الى اليوم في عملية غظ الطرف عن الرئيس السابق و سلوك علاقة طبيعية مع السعودية والامارات دون مطالبتها بتسليم المطلوبين للعدالة في سبيل قروض ومساعدات ، كما غضت الطرف عن رجال أعمال ورموز النظام السابق دون مسائلة ولا محاسبة بل اعادة ادماج العديد منهم في الادارة والسلطة التنفيذية في اطار اعادة استعمال نفس الجهاز بنفس الكوادر والعمل على صبغ الادارة صبغة حزبية ، تجسد ذلك في تعيين الولاة ومديري بعض وسائل الاعلام العمومية .
ان مؤشرات الفشل التي منيت بها حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة كانت متوقعة باعتبار غياب البدائل التنموية والاقتصادية في برامج الحركة وغياب ارادة القطع مع الماضي بل أكثر من ذلك تكريس ممارسات أقرب للهيمنية منها للدفع نحو الديمقراطية في مقابل ذلك تضل الأطراف الديمقراطية والتقدمية في عملية اعادة بناء لأحزابها نحو تجميع أوسع طيف يدافع عن العدالة الاجتماعية والحقوق والحريات والدولة المدنية والتداول على السلطة ويجسد في برامجه اهدافا سامية ناضل من أجلها أحرار البلاد ونادت بها شعارات الثورة ...تعمل اليوم على بناء قوة توازن الطرف المهيمن وتقي البلاد مخاطر الاستبداد . ذلك أن كل المؤشرات في التعاطي مع الوضع الحالي تكشف التفافا وتحويل وجهة للثورة الشعبية خاصة بتفجير قضايا هامشية كقضية اللثام داخل قاعات الدرس وقضية دسترة الشريعة ونظرية المؤامرة ومحاولة توظيف الاعلام وتحزيب الادارة واعادة الخيار الأمني البوليسي بدل الحوار ونجد مرة أخرى نفس الوجوه ونفس الأطراف السياسية الديمقراطية تدفع نحو انجاح المسار الديمقراطي بمراقبة السلطة التنفيذية ونقد انحرافاتها من ناحية والتسريع في انجاز دستور ديمقراطي لدولة مدنية وهي التي تعود مرة أخرى للشارع كلما تم تهديد مكاسب المجتمع وتطلعاته نحو الحرية والانعتاق.
المناعي،نشر بالطريق الجديد 21 أفريل 2012 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق