الاثنين، 27 فبراير 2012

الهويّة التونسية بين التجذّر والحداثة

الهويّة التونسية بين التجذّر والحداثة
بقلم : المناعي

لمّا كانت هوية مجموعة بشرية هي ما تعرّف به نفسها داخل الفضاء الكوني وما تتفاعل به مع غيرها ، فان استعداد كل شعب طبيعيا للتواصل مع غيره يجعل من مفهوم الهوية يتخذ أبعادا مختلفة ومتفاعلة تجمع بين ماهو مشترك بشري وماهو خصوصيات حضارية وفي هذا الإطار تطرح مسألة الهوية في تونس في بعديها المشترك والمخصوص :
- البعد الأول للهوية هو الإقرار بالمشترك البشري الذي ينخرط فيه كل فرد مهما كان انتمائه الجغرافي و العرقي و الإيماني، هذا المشترك تكون تاريخيا عبر مراكمة الإسهامات الحضارية لكل البشرية والتي كان فيها للحضارة العربية الإسلامية الدور البارز كما كان لغيرها وهي عصارة تفاعل حضاري أصبح اليوم قيما كونية هي جزء من هوية الشعب التونسي تنطلق من الموروث الإنساني الثقافي والاجتماعي و القيمي وصولا لقيم الحداثة التي تسمح بالتعايش والتفاعل والانفتاح بين المكونات الخصوصية لكل هوية
- البعد الثاني هو البعد الخصوصي في الهوية وهو ما تتمايز به كل حضارة عن غيرها ويمثل إضافتها للإنسانية فالهوية التونسية التي تعتبر حصيلة إسهامات الحضارات المتواترة على أرضنا تعتبر مخرجات الحضارة العربية الإسلامية عمودها الفقري بالنظر لأهمية المكون الثقافي واللغوي العربي و اهمية المكون العقائدي الديني الإسلامي في توجيه نفسية التونسي و علاقاته الاجتماعية و تؤثر على انتاجاته الفكرية والابداعية كما تمثل بقية المكونات روافد تغذي هذه الهوية العربية الإسلامية و تتفاعل معها وتحورها ...فالهوية التونسية تتأثر بالمكونات الثقافية الموروثة و المعاصرة مما يجعل النقاء الثقافي و الحسم في تعريف نهائي لهويتنا تعسف على الهوية ذاتها .
ان نظرتنا للهوية التونسية المتجذرة في الحضارة العربية الاسلامية هي نظرة عقلانية نقدية لا ترى في الموروث الثقافي و الفكري كلّ جامد بقدر ما تعرضه على التحليل والنقد و التفكيك تستلهم منه التراث النير و الإسهامات الحضارية والقيم الإنسانية للدين الإسلامي و تعتبر أن نهضتنا الفكرية و الحضارية لا يمكن ان تكون دون رؤية نقدية للماضي وانخراط في قيم الحداثة التي أصبحت مشتركا بشريا والاسهام في توجيه الثقافات المتنوعة نحو الإلتقاء حول قيم التسامح والعدل والحرية واحترام الذات البشرية و التعايش السلمي ونبذ التمييز و أن تكون الاختلافات الخصوصية للهويات والثقافات مصدر إثراء لا مصدر صراع .
ان هويتنا التونسية العربية الاسلامية معطى متطور ومتحرك متفاعل مع غيره منفتح غير منبتّ متجذر أصيل غير منغلق ، هوية ديناميكية يساهم في صياغة ملامحها كل فعل إبداعي و كل إنتاج فكري وادبي وكل قراءة نقدية للتاريخ وللواقع و كل سلوك تجاه الأخر الثقافي والحضاري والديني كما تتعزز الهوية بقيم تصنعها الشعوب لنفسها وتعززها وتكرّسها كفعل الثورة في تونس الذي غيّر نظرة التونسي لنفسه و غير صورته لدى العالم فأضاف لهويته مكونا جديدا يعرف به نفسه ويتمايز من خلاله عن الأخر ويتفاعل عبره مع غيره من الشعوب والحضارات .
هويتنا التونسية لا تجد تناقضا بين التجذر في الحضارة العربية الاسلامية و الانفتاح على قيم الحداثة الانسانية تتبنى قراءة معتدلة للنص الديني وتنسّب كل الإجتهادات فيه ، تنبذ التطرف والجمود مهما كان مسوّغه كما لا تعتبر القيم الحداثية وصفة جاهزة منتهية بل ان التفاعل بين الخاص والكوني هو الذي يميز هويتنا التونسية بمختلف أبعادها .
فيفري 2012 نشر بالطريق الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق