الاثنين، 27 فبراير 2012

نقد منوال التنمية الحالي في تونس والبدائل الممكنة

نقد منوال التنمية الحالي في تونس والبدائل الممكنة 
 المناعي
فشل منوال التنمية الحالي:
     مثل منوال التنمية الحالي الذي انخرطت فيه البلاد التونسية منذ بداية السبعينات وخاصة منذ أواسط الثمانينات مع برنامج الإصلاح الهيكلي ارتهانا للاقتصاد التونسي للأقطاب الاقتصادية العالمية و للمؤسسات المالية الدولية ،حيث أصبح اقتصادا طرفيا تابعا مستقطبا للإستثمارات الهشة ذات القيمة المضافة المحدودة و ذات التشغيلية غير المستقرة على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشغالين ،أفرزتفاوتا في نسق التطور الاقتصادي والاجتماعي نتج عنه ضغطا على سوق الشغل و بطالة و تآكلا للطبقة الوسطى و تعميقا للتفاوت الطبقي والاجتماعي.
      تأكد هذا الخيار الاقتصادي مع توجه المثال المديري للتهيئة الترابية أواسط التسعينات لخلق قطب اقتصادي حضري بمنطقة تونس- الساحل ذو تنافسية عالمية على مستوى التجهيزات السياحية والصناعية والخدمية والمالية والبنى التحتية منفتحا على الاقتصاد العالمي منخرطا في سياق العولمة عبر شبكات النقل والاتصال في اتصال مباشر ببقية المجال التونسي يمثل قاطرته وبوابته نحو الخارج ، في المقابل مجال داخلي ساند يغذي هذا القطب بالمواد الأولية الفلاحية والمنجمية و باليد العاملة والإطارات ،هذا التمشي كان على حساب توازن جهوي وتوزع عادل للثروة وللعائدات والاستثمارات خلق اختلالا مجاليا واقتصاديا بين مجال محظوظ جاذب للسكان والاستثمار ومجال مهمش طارد لسكانه وعلى هامش التنمية .
     تمثل نتائج تقييم منوال التنمية الحالي وتشخيص الواقع الاقتصادي والاجتماعي المدخل الأساسي لطرح بديل تنموي ناجع ، فقد أفرزت الخيارات الاقتصادية من برنامج الاصلاح الهيكلي الى سياسة الخصخصة مرورا ببرنامج التأهيل الشامل وغياب الديمقراطية في التسيير وانتشار الفساد المنظم         - انسحاب القطاع العام من الفعل الاقتصادي و فشل سياسة التحفيز على الاستثمار الخاص بالمناطق الداخلية و تآكل الرأسمال الوطني نتيجة شدة المنافسة الأجنبية و إغراق الأسواق والفساد المالي والإداري و سياسة تهميش للمؤسسات العمومية وخصخصة غير مدروسة .
-  تهميش التنمية المحلية والاقتصاد العائلي وغياب الديمقراطية المحلية عبر مركزة القرار وعدم التنسيق بين الأطراف الفاعلة في الاقتصاد والتنمية
-  اختلال اقليمي في تركز السكان والثروة والاستثمارات و استنزاف للثروات والتربة و تدمير للبيئة البحرية والشاطئية وتوسع غير منظم للمدن على حساب الأراضي الأكثر انتاجية .
-  تفاقم معظلة البطالة خاصة بطالة أصحاب الشهائد وتشغيل هش و تدهور المقدرة الشرائية للمواطن ومديونية مشروطة لم تساهم في خلق تنمية حقيقية .
هذه الإنعكاسات الناتجة عن الخيار الاقتصادي والتنموي مثلت منظومة مترابطة ومتصلة بغياب الديمقراطية في التسيير والشفافية في المعاملات مما يفرض مراجعتها المرور عبر اصلاح المنظومة الادارية والمالية و الرقابية واعادة النظر في مركزة القرار التنموي والتهيوي مع اضفاء البعد الاجتماعي على كل مجهود تنموي.
أي منوال تنمية نريد ؟
    إن منوال التنمية الناجح لا يمكن ان يكون جاهزا معدا للتطبيق بقدر ما يكون مجموعة أهداف تتفاعل مع تغيرات الواقع الاقتصادي والظرفية العالمية والوطنية و الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجهوية والمحلية لذلك سنسوق بعض التصورات للركائز الأساسية للتنمية :
- توازن بين دور الدولة والقطاع الخاص الوطني والأجنبي:
إن المراهنة على القطاع العمومي بشكل كلي او شبه كلي أدى بعدة تجارب الى خمول في المبادرة وبطئ في نسق التنمية و التوجه إلى المشاريع العملاقة وتهميش المؤسسات الصغرى والمتوسطة وقطاع الحرف والاقتصاد العائلي ، كما مثلت المراهنة على القطاع الخاص بشكل كلي واستقالة الدولة من الفعل الاقتصادي إلى تركز للاستثمار و اختلال في التنمية بين الأقاليم والجهات وحتى داخل الفضاء الواحد بين المراكز الحضرية والضواحي المهمشة نظرا لنزعة التركز التي تميز المبادرة الخاصة بحثا عن النجاعة والقطاعات الساندة وتجهيزات النقل والاتصال وأحواض اليد العاملة المرنة.
وبالتالي منوال التنمية المنشود يجب أن يعيد الاعتبار لدور الدولة المبادر والحاث والمعدل والموجه وذلك عبر سن التشريعات الضرورية للتحفيز على الاستثمار وتركيز البنى التحتية الضرورية وإعادة تصور لربط المجال والترفيع في نفاذية المجالات المعزولة والمهمشة ، المبادرة بتمويل مشاريع نموذجية في قطاعات مختلفة حسب خصوصية الجهة .
تحفيز الرأسمال الوطني على الاستثمار بالمناطق الداخلية و استقطاب الراسمال المحلي للتوطن على عين المكان و تكريس البعد الترابي والثقافي والذاتي لتشجيع الاستثمار على غرار عدة تجارب في ايطاليا و اليابان...والتكامل بين الانتاج الفلاحي والصناعي والخصوصية المحلية .
حث الراسمال الأجنبي على الاستثمار الناجع بالمناطق الداخلية و الساحلية وبالقطاعات ذات التجديد التكنولوجي و القيمة المضافة المرتفعة مع الملائمة بين التحفيز على الاستثمار وضمان حقوق الشغالين ومقدرتهم الشرائية ...
- التنمية المحلية والجهوية :
ان المدخل للتنمية المحلية والجهوية ليس اعادة تقسيم ترابي على اسس التجانس الطبيعي ولا على المسافة من الساحل للتغيير الشكلي لمفهوم المناطق الداخلية المهمشة بقدر ما هو تكافئ في المجهود التنموي يحافظ على الدور الريادي للمناطق الساحلية و يخرج المناطق الداخلية من عزلتها وتبعيتها وتهميشها عبر مراجعة شبكات النقل والتواصل والبنى التحتية بحيث يضمن الترابط الداخلي للإقليم و ربطه ببقية الأقاليم و بالفضاء الاقتصادي العالمي مباشرة .
التنمية الجهوية والمحلية لا يمكن ان تكون ناجعة في ظل مركزة القرار التنموي وغياب الديمقراطية المحلية ،فاسقاط أنماط تدخل في المجال موحدة بهدف خلق التوازن لا يعيد انتاج غير الاختلال وغياب النجاعة فالخصوصيات المحلية والجهوية على المستوى البشري و الموروث الثقافي و الثروات الطبيعية والعلاقات الاجتماعية يجب ان تأخذ بعين الاعتبار عند كل تخطيط للتنمية بحيث تستثمر الامكانات المحلية بطريق نابعة من الجهة ذاتها وهو ما يتطلب اليا ديمقراطية محلية و جهوية في التسيير وتشريك لجميع الأطراف الفاعلة في المنطقة من مكونات المجتمع المدني والأطراف الاجتماعية والسياسية . ان خلق اقتصاد محلي متجذر ومنفتح على الاقتصاد الوطني والعالمي هو انخراط كلي لجميع المجال الوطني في المجهود التنموي و تقليص للنقاط الهامشية في المجال .
- دعم توازن القطاعات الاقتصادية و خلق مصادر جديدة للثروة .
الفلاحة :

 - وضع الأمن الغذائي كهدف استراتيجي للإستثمار في الفلاحة اضافة الى التشغيل وتثبيت السكان .
- تحيين الخارطة الفلاحية و ربط مراكز البحوث الزراعية و الجامعات بالإنتاج الزراعي من أجل تعصير العمل الفلاحي .
- التركيز على الخصوصيات المحلية والجهوية لدعم الأنشطة الفلاحية وجعل الفلاحة قطاعا مشغلا .
- مراجعة سياسة القروض الفلاحية ودعم صغار الفلاحين وتشجيع الانتاج المساهم في التشغيل .
- استعادة الأراضي العمومية ودعم مشروع الضيعات النموذجية التي من شأنها تشجيع الفلاحين من حولها وتقديم الارشاد والمساعدة التقنية واللوجستية لفلاحي المنطقة ودعم تسويق انتاج الفلاحة العائلية.
- تشجيع الفلاحة العائلية والمعاشية والفلاحة البيولوجية .
- ربط الانتاج الفلاحي بالصناعة التحويلية لتحفيز الفلاح وبعث مواطن شغل صناعي وفلاحي .
- الصناعة:
- دعم الصناعة ذات القيمة المضافة العالية والتشغيلية الهامة و الصناعات المرتكزة على التجديد التكنولوجي كالصناعات الإلكترونية وقطع الغيار والصناعات الميكانيكية و الأدوية ....
- مبادرة الدولة ببعث مشاريع صناعية بالمناطق الداخلية مع توفير البنى التحتية والقطاعات الخدمية والبنكية ووسائل الاتصال الساندة و تطوير شبكات النقل والنفاذية نحو الموانئ والمطارات و الأسواق الاستهلاكية الوطنية .
- دعم الصناعات المتجذرة والراسمال المحلي على الاستثمار بمسقط راسه ودعم البعد الاجتماعي للإستثمار وتحفيز الراسمال الوطني بالخارج للإستثمار في الداخل.
- تنويع مصادر الاستثمار الأجنبي و التركيز على القطاعات المشغلة و الحاثة للتنمية .
- السياحة :
- تنويع المنتوج السياحي للحد من هشاشته  .
- دعم السياحة الطبيعية والثقافية وسياحة المؤتمرات وربط القطاع السياحي بتثمين التراث الثقافي والانفتاح على الأسواق الأسياوية الواعدة .
- دعم السياحة الداخلية بفتح شراكة بين المؤسسات السياحية و المؤسسات الإقتصادية الأخرى والقطاع العام .
- دعم القطاعات المتصلة بالسياحة كقطاع الحرف والصناعات التقليدية و المؤسسات الثقافية.
- التجارة :
- دعم الشراكة مع الأطراف الاقتصادية التقليدية خاصة الاتحاد الأوروبي .
- دعم التبادل التجاري مع الدول المغاربية والمنطقة العربية و تحرير التجارة مع الأجوار .
- حماية الانتاج الوطني من التجارة الموازية وتفعيل المراقبة .
- فتح شراكة مع اسواق تجارية واعدة على غرار الصين وجنوب شرق اسيا .

- تجهيزات اجتماعية متوازنة تساهم في المجهود التنموي:
ان التنمية الشاملة والعادلة التي تهدف للتوازن بين الجهات والحد من التفاوت الطبقي والاختلال المجالي تمر عبر توازي المجهود الاقتصادي والاجتماعي و بالتالي فان التركيز على مجهود التشغيل وخلق الثروة يضل منقوصا دون توزيع عادل للتجهيزات الاجتماعية التعليمية والصحية والثقافية وتكافئ الفرص في النفاذ للمعلومة عبر توزع عادل لشبكات الاتصال ومن هنا يعتبر بعث أقطاب صحية وجامعية ومالية بالمناطق الداخلية ودعم شبكات التواصل ضروري لخلق بيئة مشجعة على الاستثمار و في ذات الوقت بعث مواطن شغل اضافية و الحد من التبعية للأقاليم الأخرى و تقريب الخدمات الأساسية للمواطن ... ذلك ان بعث اقطاب جامعية ومراكز بحوث متصلة بالنشاط الاقتصادي الجهوي يعتبر دعما للجانب العلمي والاقتصادي معا فضلا عن دعم المجهود الثقافي الجهوي والمحلي واستثماره و تثمينه على المستوى السياحي للمساهمة في المجهود الوطني للتشغيل .

- مراجعة التخطيط والتهيئة العمرانية .
يرتكز الاقتصاد التونسي على الأنشطة الحضرية و تشهد مدنا على غرار تونس وصفاقس وسوسة تحولات في البنية الاقتصادية و الاجتماعية و توسع سريع أدى غياب التدخل التهيوي لضبطه وتوجيهه الى بروز أحزمة ضاحوية غير منظمة على هامش امثلة التهيئة العمرانية تحتضن تركزا سكانيا و توطنا صناعيا و استهلاكا مفرطا للأراضي الخصبة على اطراف المدن مما خلق مشهدا متأزما و بؤر توتر تنتشر فيها البطالة و الفقر والجريمة و بيئة خصبة لإنتشار التطرف بجميع تمظهراته ...هذه المجالات التي تبدو على هامش التنمية بالمدن الكبرى لا تقل تهميشا عن المناطق الداخلية تتطلب تدخلا عاجلا واصلاحا هيكليا عبر الحد من توسع هذه المجالات بطريقة غير منظمة و دعم المشاريع السكنية الاجتماعية ومراجعة أمثلة التهيأة وتحيينها وخلق مواطن شغل ودعم التجهيزات الأساسية و اعادة النظر في التقسيم الوظيفي للمدن الكبرى من أجل بعث مراكز ضاحوية ومراجعة شبكة النقل الحضري وتثمين التراث العمراني على المستوى الثقافي والسياحي وحماية البيئة الحضرية من التلوث ودعم المشاريع البيئية .
-  التنمية المستدامة
يرتكز منوال التنمية الناجح على الملائمة بين الامكانات البشرية و الثروات و الجانب البيئي والطابع الاجتماعي ...ومن هذا المنطلق لا يغفل السعي نحو خلق الثروة و توزيعها العادل وخلق مواطن شغل والاستجابة لحاجة السكان الجانب البيئي و التوازن الطبيعي و حقوق الأجيال القادمة حيث يجب توجيه الاستثمار الفلاحي نحو المحافظة على التربة و الثروة الغابية والتوازن الطبيعي و الاتجاه نحو الفلاحة البيولوجية ذات المردودية التجارية العالية وذات الانعكاسات البيئية الايجابية ، فضلا عن ترشيد استغلال الثروات المائية والمحافظة على المائدة المائية الجيولوجية و دعم تعبئة الموارد المائية السطحية .
ترشيد استهلاك الطاقة و دعم التعاون مع الدول المغاربية ضمن مشاريع الطاقة المتجددة و الحد من استنزاف الاحتياطات المحدودة للنفط والغاز و المواد المنجمية خاصة الفسفاط .
حماية الأراضي الزراعية من التوسع الحضري غير المنظم وحماية المجاري المائية و المائدة المائية من التلوث الحضري والصناعي .
حماية الشريط الساحلي من التركز السياحي والحضري والصناعي الذي يؤثر على اختلال البيئة البحرية .
- تفعيل الالتزام بالخارطة الفلاحية للحد من اجهاد التربة و زيادة المردودية الزراعية و الاتجاه نحو أحزمة زراعية مختصة .
فيفري 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق