الأربعاء، 13 يونيو 2012

دوامة العنف السلفي ومغالطة الدفاع عن المقدسات


دوامة العنف السلفي ومغالطة الدفاع عن المقدسات
محمد المناعي
تعم البلاد هذه الأيام موجة جديدة من العنف و حلقة من الانفلات الأمني والفوضى وإذ تبدو التيارات السلفية العنوان الأساسي لهذا العنف فان عجز السلطة القائمة على القيام بدورها وواجبها هو العنوان الحقيقي لما يجري ، مما يطرح عدة تسائلات حول مصير الإنتقال الديمقراطي بل مصير الحريات الأساسية في البلاد التي يزيد انتهاكها والتعدي عليها يوما بعد آخر في ظل حياد سلبي للمجلس التأسيسي و فشل بيّن للحكومة المؤقتة في معالجة الملف الأمني والحفاظ على هيبة مؤسسات الدولة أمام رأي عام منقسم بين مبرر لردة فعل هذه الجماعات المتطرفة و مدين للعنف مهما كانت مبرراته...
يبدو للوهلة الاولى ان ما عرض في قصر العبدلية من رسوم هي السبب الرئيسي لعودة موجة العنف كما يروج سعيا لإخراج هذا العنف اخراجا شرعيا دفاعا عن المقدسات ونصرة للإسلام كما يقولون والحال ان هذا العنف بدأ بالاعتداء على المبدعين والفنانين منذ الأيام الأولى التي تلت 14 جانفي وتواصل برفع السلاح في وجه الجيش الوطني بالروحية وبير علي بن خليفة و بالتعرض للمسيرات السلمية وللندوات الفكرية بالعنف والترويع و مؤخرا بالتعدي على الممتلكات العامة و الفردية بحرق وتخريب محلات تجارية بتعلة بيعها للخمور و الاعتداء بالحرق على نزل و مقرات للأمن بكل من سيدي بوزيد وجندوبة و ما الاعتداء على قصر العبدلية و تهشيم محتوياته و اتخاذه ذريعة لنشر العنف في اماكن مختلفة من البلاد سوى حلقة أخرى من حلقات العنف تغذيها أطراف عدة اولها صمت الحكومة و عجزها عن فرض هيبة الدولة والمؤسسات و اعتبار قيادات الحزب الحاكم ان هؤلاء " السلفيين " هم ابنائنا خرجوا من رحم الثورة ...حتى بعد تورطهم في العنف والدماء و عجزها ايضا عن فتح حوار معهم وترويضهم ...وثانيها ارتباطات خارجية تساعد تأطيرا وتمويلا و تكوينا مرتبطة بعضها بالنظام الوهابي السعودي ( تصريح اذاعي لعبد الفتاح مورو يقر بوجود ندوات تكوينية وهابية بتمويل سعودي ) وبعضها بتنظيم القاعدة ولا ادل على ذلك من  تخصيص زعيم التنظيم الارهابي القاعدة لكلمته الأخيرة لتونس وتحريض اتباعه بالخروج على السلطة و التمرد والدعوة لبن لادن من منابر الجمعة في عدة اماكن من الجمهورية ...
ان ما يلفت الانتباه انسياق فئات واسعة من الناس في موجة تبريرية لهذا العنف الذي سوق دفاعا عن المقدسات والحال ان معرض الرسوم كان شبيها بسابقيه ومجرد أعمال فنية يمكن نقدها و في اقصى الحالات يمكن اعتبارها تهريجا لا عملا فنيا دون الدخول في تكفير اصحابها او تهديد حياتهم او الدعوة للعنف ...فما روجت له صفحات الفايسبوك من رسوم لا علاقة لها بمعرض العبدلية كان هدفه تسويق صورة مفادها ان الرسامين اعتدوا على المقدسات وجسدوا شخصيات دينية وسخروا من رموز مقدسة وثابت ان اغلب المروجين لهذا التوجه تنتشر بين صفوفهم الأمية فقد كتب أحدهم على جدار معرض العبدلية ( دافيعو على رسول الله )ومحدودي الاطلاع على الفن والدين معا ، ليس لهم اي اطلاع على الأعمال الابداعية الشعرية وغيرها في القرون الأولى للإسلام و لا على الشعر الاباحي ولا على خمريات ابي نواس ولا على مؤلفات المعري من رسالة الغفران التي صورت الجنة صورة كاريكاتورية او اللزوميات او غيرها وتم التعاطي معها فنيا دون اي اشكال في تلك العصور بل لا اطلاع لهم على القران والاحاديث النبوية التي لا اثر فيها بصحيحها و ضعيفها وآحادها على نص به تحريم تجسيد شخصيات دينية بل هناك مذاهب تجسد الأنبياء والرسل في اعمالها الفنية دون حرج ...وحتى ان اعتبرنا ان عدم التجسيد هو عادة اصبحت بقيمة المقدس في المجتمعات السنية فان الرسوم التي عرضت لا تمت بأي صلة بتجسيد اي من الشخصيات الدينية المقدسة بل تنقد ظواهر اجتماعية كاللباس و التعبد وغيرها وأغلب الرسوم التي روجت على المواقع الاجتماعية هي لمعارض بباريس والسنغال ولم تعرض يوما في تونس...ومهما يكن من أمر فان التعاطي مع اي عمل فني مهما كانت جودته يضل مسالة نقدية وذوقية لا ايمانية لا علاقة لها بالكفر والايمان و في اقصى الحالات فان القضاء سيد الموقف والعنف لا يزيد المبدع الا اصرارا .
ان كل ممارسة للعنف سواء بمسوغ الاستفزاز او الدفاع عن مقدس ما او فكرة ما هو دعوة صريحة للطرف الأخر للدفاع عن نفسه بنفس الأساليب فمن يترك الحوار ويسلك نهج العنف يدعو خصمه للمعاملة بالمثل وفي غياب سلطة القانون و الدولة يفسح المجال واسعا لعصبيات أخرى تتشكل على اساس المنهج او الإنتماء الفكري او العائلي او الجهوي لتدافع عن مكاسبها وممتلكاتها وهذا لا يقود الا لموجة من العنف المنظم الذي يرتقي للحرب الأهلية و بالمقياس الديني فتنة والفتنة أشد من القتل لا يستفيد منها اي طرف و لا ينتصر فيها اي كان هي دوامة تعيد انتاج نفسها عبر آلية الثأر ، الفعل ورد الفعل..
لو فهم ذلك المتعصب الذي اختار نهج العنف ضد من يخالفه الراي قول الله في القران : (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ( المائدة 105 ) لنزع عن نفسه أعباء ومسؤوليات كلف بها نفسه لا علاقة لها بالدين، فالاسلام لم يأمر المسلم الا بنصح الأخرين ودعوتهم الى الطريق القويم دون اجبار او اكراه وما ممارسات بعض المجموعات المتطرفة الا عنفا سياسيا وترهيبا للناس لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالاسلام المتسامح الذي يعطي حق الايمان والكفر و يامر الناس للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالإكراه (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ، النحل 125 ).
يبدو التعاطي مع هذه الظاهرة ضروري وملح بفتح حوار شامل حول العنف السياسي والعنف عموما و رفع الأمية الفكرية عن هذه القواعد التي تنتهج العنف باستدراجها الى الحوار من داخل منظومتها ومقارعتها بالحجة والعمل على اقناعها و تطوير مناهج التعليم لتستجيب لحاجة الناشئة من تربية دينية معتدلة تغلق الباب امام نزعات التشدد والتطرف كما يجب على السلطة القائمة حاليا ومستقبلا التعاطي بجدية مع الظاهرة باحترام حرية الفكر والمعتقد للسلفي وغير السلفي وعدم المحاسبة على الضمائر والنوايا والمظهر و تجريم كل عمل عنف مهما كان مسوغه ومهما كانت دوافعه لردع كل مستهين بالدولة وقيم المجتمع مهما كان توجهه وعقيدته .
 13 جوان 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق