الخميس، 6 يونيو 2013

السويد نموذج الديمقراطية الاجتماعية



يقول الدكتور حسين علي في كتابه نهاية التاريخ أم صدام الحضارات مايلي :
يعتبر النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في السويد من اقرب النظم إلى فلسفة الطريق الثالث .
فكيف بدا هذا النظام وماذا حقق ؟ وهل يمكن تعميمه ؟
يشكل النموذج السويدي مرجعا لكل مجتمع يريد تحقيق أفضل توازن ممكن في العلاقات التي تحكم القوى الاقتصادية والاجتماعية الفاعلة دون المساس بتنظيم اقتصادي يقوم على القطاع الخاص ..وفيما يخص المشاكل التي تواجهها المجتمعات الصناعية فان الانجازات السويدية غالبا ماتشكل مصدرا للحلول المقترحة لهذه المشاكل سواء تعلق ذلك بتوزيع الدخول أو بتحسين ظروف العمل أو بالسياسات الاجتماعية الخاصة بالتعليم أو الصحة أو الإسكان أو التقاعد .. في كل هذه المجالات تعتبر السويد ( نموذجا يحتذى به ) ..
لقد حققت السويد بملايينها التسعة وفي مجالات عديدة تقدما كبيرا بالنسبة للدول الصناعية الأخرى وذلك بفضل السلم الصناعي القائم بين مختلف القوى الاجتماعية ...
لقد جنَب هذا السلم الصناعي والذي تحقق بفضل التشاور الدائم بين ممثلي أرباب العمل والعمال والحكومة السويديين ( حوار الطر شان) الذي غالبا ماقاد في الدول الصناعية الأخرى إلى نزاعات اجتماعية وإضرابات دفع الاقتصاد الوطني والمجتمع برمته ثمنها ..
على سبيل المثال يشكل مجلس إدارة بنك الاستثمار الذي يهدف إلى تجاوز تردد المصارف التجارية في مواجهة مشاكل عاجلة . نموذجا للتنظيم السويدي . يتكون هذا المجلس من ممثلين عن أرباب العمل والعمال .. ممثل عن تعاونيات المستهلكين .. عضو من البرلمان وممثل عن بنك خاص .. يساهم هذا التمثيل في تفضيل اتخاذ القرارات التي تخدم المصالح العامة ..
نشوء الديمقراطية الاجتماعية السويدية :
ترافقت عملية الانتقال إلى مجتمع صناعي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع مطالبة الطبقة العاملة بتحسين ظروف العمل لاسيما فيما يتعلق بعدد ساعات العمل وبتشغيل الأطفال واختارت النقابات كمرجعية أيدلوجية لها اشتراكية كارل ماركس وأتباعه وتمخض النضال النقابي عن تأسيس اتحاد العمال عام 1899 الذي أدار ظهره للماركسية ولليبرالية على حد سواء متبنيا أفكار الديمقراطية الاجتماعية ومقدما دعمه للحزب الذي يحمل نفس الاسم ( الحزب الديمقراطي الاجتماعي)..
بالرغم من ان أثار الأزمة الاقتصادية التي خربت العالم في الفترة من 1919 – 1933 لم تكن كارثية على الاقتصاد السويدي كما في بقية الدول الصناعية إلا أنها دفعت بشركات قطاع الخشب والورق إلى تخفيض الأجور مما قاد إلى إضرابات عنيفة هزت المجتمع السويدي وأدت إلى تدخل الجيش لوقف العنف ..
بفضل هذه الأحداث فاز الحزب الديمقراطي الاجتماعي في انتخابات عام 1932 وبدا سياسة اقتصادية اجتماعية للخروج من حالة الكساد والنهوض بالمجتمع السويدي : تدخل الدولة ودعمها لبناء المساكن ودعم قطاعات التعدين والتجهيزات ... الخ .
في عام 1936 تم تأسيس هيئة سوق العمل وتم توقيع العقد الجماعي وبعد مرور عامين تم توقيع اتفاقية سالسبودن التي أسست قواعد السلم الصناعي .. تسمح هذه الاتفاقية الموقعة بين العمال وأرباب العمل للديمقراطية الاجتماعية بتأكيد وجودها من خلال تبني إصلاحات اجتماعية تهدف إلى تحسين الظروف العامة للرفاه ..
ماهو دور الدولة في هذا النظام ؟
تساهم الدولة السويدية في 5 – 6 % من مجموع الإنتاج وبالتالي فان هذا البلد الذي يوصف في الغرب ب ( الاشتراكي الديمقراطي) يعطي الدولة دورا في الإنتاج اضعف بكثير مما هو عليه في الكثير من البلدان الغربية التي تُعتبر رأسمالية ..
هذه المساهمة المحدودة من قبل الدولة في العملية الإنتاجية يجعلها تتفرغ لتقديم خدمات اجتماعية قل نظيرها .. فعلى الصعيد النفقات الاجتماعية تحتل السويد المرتبة الأولى في البلدان الغربية سواء كان ذلك في مجال الصحة أو التعليم أو مساعدة العائلات أو العجزة أو بناء المساكن .. ( في كل هذه المجالات يمكن للسويد أن تعطي دروسا لكل الدول الصناعية) .
أكثر من خمس الإيرادات الوطنية تخصص للنفقات الاجتماعية .. طبعا لم يكن ذلك ممكنا لولا سياسية ضريبية تضع السويد في رأس قائمة الدول الصناعية من حيث معدلات الضريبة .. بالإضافة إلى تقديم الخدمات الاجتماعية العامة الأساسية مثل النقل والاتصالات والبريد أما ماتبقى من العمل الخدمي والإنتاجي فمتروك لشركات القطاع الخاص وللتعاونيات ..
يمكن استنتاج وجود الكثير من العوامل والمبادئ المشتركة بين الطريق الثالث والنموذج السويدي ومهما كانت المسميات فان الديمقراطية الاجتماعية بدأت تشق طريقها كنموذج سياسي واقتصادي واجتماعي تمثل في وصول أحزاب اشتراكية أو عمالية إلى الحكم في الكثير من الدول الصناعية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا ...